صدور المحرّم الواقعي منه وإن كان مستندا إلى أمر خارج عن إرادته ، ولنعم ما قيل بالفارسية :
چگونه شكر اين نعمت گذارم |
كه دست مردم آزارى ندارم (١) |
فإنّ عدم القدرة أيضا نوع من العصمة ، وعلى مثل هذا الوجه يبنى في الجواب عن الإشكال المشهور بينهم في أنّ للمصيب أجرين ، وللمخطئ أجرا واحدا.
وقد يجاب عن الاستدلال بوجه آخر بأنّ اللازم على ذلك التقدير مساواتهما في كيفية العقاب وكمّيته ، بل اللازم على هذا التقدير مساواة الفاعل مع العازم كما لا يخفى ، مع أنّ فساد اللازم ممّا لا يكاد يخفى على أوائل العقول ، وقد أشعر بذلك مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام في بعض خطبه المنقول في نهج البلاغة أنّ : « الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم ، وعلى الداخل إثمان : إثم العزم ، وإثم الدخول » (٢) اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الاحتياط طريق النجاة ، فيحسن الإتيان (٣) بالفعل عند اعتقاد وجوبه ، وتركه في العكس ، إلاّ أنّه لا يغني من جوع ؛ إذ غاية ما في الباب إثبات الاستحباب وليس الكلام فيه.
وقد يستدلّ أيضا على حرمة التجرّي بأنّه على تقديره فاستحقاق الذمّ والعقاب ممّا لا ريب فيه كما يشهد به الوجدان ، واستقرّ بناء العقلاء عليه أيضا وفيه الكفاية.
مضافا إلى ما ورد في جملة من الأخبار الدالّة على حرمة العزم على المعصية ، وفي النبوي منها : « ملعون من همّ بها » (٤) والروايات (٥) الدالّة على العفو عن العزم المحرّم ؛ إذ العفو فرع الاستحقاق ، ففي المقام يثبت الاستحقاق بطريق أولى ، وبعد الثبوت لا دليل
__________________
(١) كلّيات سعدى ، مثنويات : ٨٦٦.
(٢) نهج البلاغة ، قصار الحكم ، رقم ١٥٤ وفيه : وعلى كلّ داخل في باطل إثمان : إثم العمل به وإثم الرضى به.
(٣) « ل » : الاحتياط.
(٤) الوسائل ١٥ : ٣٥١ ، باب ٥٠ ، باب تحريم طلب الرئاسة مع عدم الوثوق بالعدل ، ح ٦ عن الصادق عليهالسلام.
(٥) انظر الوسائل ١ : ٥١ ، باب ٦ باب استحباب نيّة الخير والعزم عليه ، ح ٦ و ٧ و ٨ و ١٠ و ٢٠.