قلنا : دعوى الإطلاق ممنوعة :
أمّا أوّلا ، فلأنّ الغالب في إنذار المنذر من أهل العلم وإخبارهم عن الأحكام حصول العلم للمنذرين ، فتنزّل الآية على ما هو الغالب المتعارف.
وأمّا ثانيا ، فلأنّ مثل هذا الكلام عرفا وارد مورد (١) مقام آخر غير إنشاء حكم تعبّدي ظاهري ، أعني العمل بقول المنذر تعبّدا ، وهو إهداء الناس إلى الحقّ وتبليغ الجاهل إلى ما هو الصواب. وأما وجوب قبول الجاهل من المبلّغ مطلقا أو فيما إذا أفاد العلم ، مقام آخر يرجع فيه إلى ما تقتضيه القواعد. وهذا نظيره في المحاورات كثير ؛ فإنّ المقصود العرفي من الأمر تبليغ الحقّ إلى الجاهل وإرشاده ، والملازمة إلى ما كان في جهل منه ، وعلى ذلك ينزّل جميع ما ورد في حقّ الأنبياء والحجج من الأمر ببيان الحقّ وإظهار الأحكام ؛ فإن المقصود منها ليس إلاّ بلوغ الأحكام إلى الناس وخروجهم عن الجهالة ، لا تأسيس أساس التعبّد والعمل والتقليد.
وممّا يوجب وهن الإطلاق : أنّه لا شكّ في اشتمال التفقّه على معرفة الأصول والفروع ، كما يدلّ عليه استدلال المعصوم بهذه الآية في غير واحد من الروايات (٢) على وجوب معرفة الحجّة إذا حدث على إمام العصر حادثة ولا يجوز الحذر عقيب الإنذار في الأصول بدون حصول العلم إجماعا إلاّ من قليل.
ورابعا : لو سلّمنا دلالة الآية على وجوب الحذر مطلقا ، سواء تحصّل العلم أم لا ، أنّك قد عرفت أنّ الإنذار الواجب إنّما هو الإنذار العلمي بالامور المعلومة
__________________
(١) كذا ، وعلى كلمة « مورد » حرف « ظ ».
(٢) مثل ما ورد في الكافي ١ : ٣٧٨ و ٣٨٠ ، باب ما يجب على الناس عند مضيّ الإمام ، الحديث ١ ـ ٣.