المعصوميّة (١) ـ خالية عن جميع الصور العلميّة ، ضروريّة كانت أو نظريّة علميّة أو ظنيّة ، ثمّ بواسطة قواها الظاهرة والباطنة يتحلّى بالعلوم الأوّليّة المستتبعة للعلوم النظريّة إلى أن يصل إلى حدّ يكون في ذلك الحدّ عقلا بالفعل ، فكلّ العلوم التي افيض عليها من المبدأ الفيّاض إنّما هي حادثة بعد تعلّق النفوس بالأبدان في هذه النشأة ؛ ولهذا كانت مزرعة للنشأة الآخرة.
وبالجملة ، فنحن لا نسلّم أنّ محالّ هذه الأعراض هي الأجسام الحيوانيّة بل يحتمل احتمالا قويّا أن يكون النفس محلاّ لها ، والمفروض بقاء النفس بعد خراب البدن ، فلا يلزم بقاء العرض مع ارتفاع الموضوع وهو الحيوان الناطق ، فعلى المستدلّ إقامة دليل على ذلك. ولا ينافي ما ذكرنا أن يكون للآلات الجسمانيّة مدخل في حصولها على وجه الإعداد ، غاية الأمر عدم حصولها بعد الموت ، وأين ذلك من زوال الحاصل؟ فلا أقلّ من الشكّ في بقاء تلك الصور ، والأصل قاض ببقائها.
وقد يظهر من بعضهم دعوى زوال الظنّ بعد الموت لا بواسطة أنّ الموت يوجب خراب البدن ، بل بواسطة كشف حجاب النفس عن الواقع واطّلاعها على اللوح المحفوظ بعد الموت. وهو الظاهر من المحقّق الداماد رحمهالله في توجيه كلام جدّه المحقّق الثاني حيث أراد السيّد دفع الاستصحاب القاضي بالبقاء ، حيث قال : إنّ الظنّ لمّا جاز أن يكون مخالفا للواقع والموت الجسماني الذي حقيقته انقطاع النفس عن البدن ورجوعها إلى عالم الملكوت الذي هو ميقات حقيقة الحقّ وانكشاف بطلان الباطل ، فيمكن أن يتحقّق به انكشاف خطأ ظنّه الذي كان
__________________
(١) منها قوله تعالى : ( وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ) ، النحل : ٧٨. وراجع الميزان ١٢ : ٣١٢.