وتحقيق المقام هو : أنّه لا إشكال في أنّ الأمر الغيري لا يستلزم امتثالا ـ كما عرفت في الهداية السابقة (١) ـ بل المقصود منه مجرّد التوصّل به إلى الغير ، وقضيّة ذلك هو قيام ذات الواجب مقامه وإن لم يكن المقصود منه التوصّل به إلى الواجب ، كما إذا أمر المولى عبده بشراء اللحم من السوق ، الموقوف على تحصيل الثمن ، ولكنّ العبد حصّل الثمن لا لأجل شراء اللحم بل بواسطة ما ظهر له من الامور الموقوفة عليه ، ثمّ بدا له الامتثال لأمر المولى ، فيكفي له في مقام المقدّميّة الثمن المذكور من غير إشكال في ذلك ، ولا حاجة إلى إعادة التحصيل ، كما هو ظاهر لمن تدبّر.
إنّما الإشكال في أنّ المقدّمة إذا كانت من الأعمال العباديّة التي يجب وقوعها على قصد القربة ـ كما مرّ الوجه فيها بأحد الوجوه السابقة ـ فهل يصحّ في وقوعها على جهة الوجوب أن لا يكون الآتي بها قاصدا للإتيان بذيها؟
ومن فروعه : ما إذا كان على المكلّف فائتة (٢) ، فتوضّأ قبل الوقت غير قاصد لأدائها ولا قاصدا لإحدى غاياته المترتّبة عليه ، فيما إذا جوّزنا قصدها في وقت التكليف به واجبا ـ كما هو المفروض ـ فإنّه على المختار لا يجوز الدخول به في الصلاة الحاضرة ولا الفائتة إذا بدا له الدخول إليها ، وعلى الثاني يصحّ.
ومن فروعه أيضا : ما إذا اشتبهت القبلة في جهات وقلنا بوجوب الاحتياط ـ كما هو التحقيق ـ فلو صلّى في جهة غير قاصد للإتيان بها بالجهات الباقية ، على ما اخترناه يجب عليه العود إلى تلك الجهة ، وعلى الثاني يجزئ في مقام الامتثال إذا لحقها الجهات الأخر. وقد نسب الثاني إلى المشهور ، ولم نتحقّقه.
وما يمكن الاستناد إليه في تقريب مرادهم هو : أنّ الوضوء ليس إلاّ مثل
__________________
(١) راجع الصفحة ٣٤٠.
(٢) في ( ع ) و ( م ) بدل « فائتة » : طهارة مائيّة.