__________________
الثانية ، ومن الواضح أنّ هذا الكلام جارٍ على نحو من التسامح العرفي ، وليس مثل هذا الكلام من الخطابات العرفية مبنياً على الدقّة.
لا يقال : إنّ عدم الرافع ليس من آثاره الشرعية بقاء المرفوع ، بمعنى أنّ الرافعية ليست مجعولة ، بل هي منتزعة من الحكم ببقاء المرفوع عند عدم الرافع فتكون الرافعية منتزعة نظير المانعية.
لأنّا نقول : فرق بين الرافع والمانع ، فإنّ الثاني من قبيل الدفع والأوّل من قبيل الرفع ، ولمّا كان المرفوع بنفسه من المجعولات الشرعية ، كان من الضروري أنّه لا يرتفع إلاّبما يكون رافعاً له شرعاً ، فتكون الرافعية للحدث والفسخ مثلاً بجعل من الشارع ، بمعنى أنّ الشارع جعلهما رافعين لما قد جعله وهو أثر الوضوء والملكية ، فتأمّل.
ثمّ إنّ الطهارة والحدث إن قلنا بكونهما من الأُمور الواقعية التي كشف عنهما الشارع ولم تكن مجعولة من جانبه ، فإن قلنا بأنّ تقابلهما تقابل الضدّين ، لم يكن أحدهما رافعاً للآخر ، وإن قلنا بكون أحدهما عدمياً والآخر وجودياً ، كان ما هو العلّة في العدمي رافعاً لذلك الآخر المفروض كونه وجودياً ، فلو قلنا بأنّ الطهارة حالة نفسانية تعقب الوضوء كالنور النفساني مثلاً ، والحدث عبارة عن الظلمة النفسانية التي تعقب النوم مثلاً التي هي عدم ذلك النور ، كان النوم رافعاً للطهارة لكنّه رفع تكويني لا تشريعي.
لكن هذا الاحتمال ساقط ، وإنّما يكون ممكناً في الجملة في مثل الطهارة من الخبث والنجاسة ، لأنّ مزيل النجاسة والذي يكون سبباً للطهارة منها هو الغَسل مثلاً ، ويمكن القول بأنّ سببيته تكوينية ، بخلاف الطهارة من الحدث فإنّ سببها هو الغسل أو الأفعال الوضوئية ، المفروض اعتبار قصد القربة فيها الكاشف عن أنّ سببيته لها شرعية ، وأنّ المسبّب من المجعولات الشرعية. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه لا مانع من كون ذلك الفعل القربي الشرعي مؤثّراً في النفس أثراً تكوينياً لا يعرفه البشر ، وكشف عنه الشارع.