فإنّ ما اشتمل عليه التقرير المذكور (١) وكذا التقرير المطبوع في صيدا (٢) ممّا حاصله امتناع الحكم الظاهري فيما نحن فيه ثبوتاً ، وأنّه لا دليل على التخيير الخ ، لعلّه راجع إلى أنّ نفس العلم الاجمالي مانع من جريان [ الأصل ] ، لا أنّ التعارض هو المانع. وكذا ما حرّرناه عنه قدسسره من أنّ نفس المجعول في الأُصول النافية لم يكن مشروطاً بالقدرة ، وأنّه لو سلّمنا كونه مشروطاً بها فليس إجراء الأصل في أحد الطرفين موجباً لسلب القدرة عن إجرائه في الطرف الآخر ، كلّ ذلك ممّا لم أتوفّق لفهمه ، إذ ليس المدار في التخيير في باب التزاحم على مسألة القدرة وعدمها ، بل إنّ الأمر أوسع من ذلك ، فإنّا لو بنينا على أنّ الممنوع ليس هو إجراء الأصل النافي في هذا الطرف واجراءه في الطرف الآخر ، بل الممنوع هو الجمع بينهما ، لأنّه موجب للمخالفة القطعية ، فهذه الجهة ـ أعني المخالفة القطعية ـ إنّما هي وليدة الجمع بين الأصلين ، ومن الواضح أنّ الجمع بين الأصلين لم يتولّد من نفس إجراء الأصل في هذا واجرائه في ذاك ، وإنّما هو ـ أعني الجمع ـ متولّد من إطلاق كلّ من الأصلين ، فإذا كان إسقاط الاطلاقين كافياً في دفع هذه الغائلة ، فأي داع إلى إسقاط نفس الأصلين في كلّ من الطرفين ، فتأمّل.
فيكون حال ما نحن فيه في كيفية توليد التخيير حال ما أفاده قدسسره في مسألة المتزاحمين في باب الترتّب ، من أنّ الممنوع وهو التكليف بغير المقدور هو وليد الجمع بين الأمرين ، والجمع بينهما وليد بقاء إطلاق كلّ من الخطابين ، وإذا أسقطنا الاطلاق من كلّ منهما ارتفع المحذور المذكور ، وبذلك ردّ على القائلين بسقوط التكليفين واستكشاف خطاب جديد تخييري بينهما ، فراجع وتأمّل.
وبالجملة : أنّ التخيير بين الشيئين نتيجة قهرية لما يكون مانعاً عن الجمع
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٣١ ، أجود التقريرات ٣ : ٤١٩.
(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٣١ ، أجود التقريرات ٣ : ٤١٩.