قوله : وقد ادّعي تواتر الأدلّة على اشتراك الأحكام في حقّ العالم والجاهل ، ونحن وإن لم نعثر على تلك الأدلّة سوى بعض أخبار الآحاد التي ذكرها صاحب الحدائق في مقدّمات كتابه ... الخ (١).
لعلّ المراد بذلك ما ذكره صاحب الحدائق في المقدّمة الخامسة (٢) في حكم الجاهل وأنّه غير معذور ، لكن لم يذكر هناك ما يدلّ على عدم المعذورية إلاّما دلّ على وجوب الفحص والتعلّم والسؤال والتفقّه. ولا يخفى عدم صراحتها في الاشتراك ، ولو من جهة إمكان كون التعلّم واجباً نفسياً ليتهيّأ إلى إيراد التكاليف عليه. نعم ذكر في الوجه الثاني ممّا ردّ به على القائلين بالبراءة العقلية في أوائل كتابه ما هذا نصّه : الثاني استفاضة الأخبار بأنّ لله تعالى في كلّ واقعة حكماً شرعياً مخزوناً عند أهله ، حتّى أرش الخدشة والجلدة ونصف الجلدة الخ (٣). وهذا أيضاً
__________________
بل يكفي فيه ما عرفت من جعل الحكم لنفس الذات معرّاة عن لحاظ العلم والجهل به ، لعدم إمكان لحاظها كذلك في حال إيراد الحكم عليها ، ثمّ بعد جعل الحكم على عنوان الذات القاضي بتحقّقه لها لو طرأها العلم أو طرأها الجهل يرفعه عن الذات عند طروّ الجهل ، ولا يكون ذلك موجباً للتناقض في مرتبتين ، بل هو من قبيل العناوين الأوّلية والثانوية ، فالمكلّف بعنوانه الأوّلي يكون محكوماً بذلك الحكم ، وبعنوانه الثانوي ـ أعني كونه جاهلاً بذلك الحكم ـ يكون ذلك الحكم مرتفعاً عنه ، بمعنى أنّ الشارع يرفع ذلك الحكم عنه عند جهله به نظير الاضطرار.
وينبغي التأمّل في عدم معقولية الإهمال في الواقع ، مع فرض أنّه لا يمكن الاطلاق والتقييد وما ذلك إلاّعبارة عن الاهمال ، وما الاهمال الواقعي إلاّما التزم به قدسسره من متمم الجعل ، فإنّ المجعول الأوّلي لابدّ أن يكون مهملاً [ منه قدسسره ].
(١) فوائد الأُصول ٣ : ١٢.
(٢) الحدائق الناضرة ١ : ٧٧.
(٣) الحدائق الناضرة ١ : ٤٥.