يجب عند إرادته ، ويمتنع بدونها وإن كان سائر مقدّمات وجوده موجودة ، فعليه عدمه إنّما هو عدم الإرادة المعبّر عنه بالصارف لا غير.
فمن هنا بطل قول الكعبي (١) بمقدّمية فعل المباح لترك الحرام ، فيجب لذلك ، فيلزم انتفاء المباح رأسا ، وسيأتي زيادة توضيح لذلك فيما بعد ـ إن شاء الله ـ فانتظر.
الثالث (٢) : إذا علم مقدّميّة أمر للواجب فقد عرفت الحكم فيه ، وأمّا إذا شكّ في أصل المقدّمية فيجري استصحاب عدم الوجوب الغيري مطلقا واستصحاب عدم جعل ذلك الأمر شرطا أو جزء أو مانعا إذا كان الشكّ في مقدّميّته شرعا ، ولا يعارضه استصحاب شغل الذمّة بما يحتمل كونه شرطا له ، بل هذا حاكم عليه كما لا يخفى.
وأما أصالة البراءة فلا مجال لها فيما إذا كان الشكّ في مقدّميته عقلا أو عادة كاستصحاب عدم المقدّميّة ، ضرورة أنّ الواجب ليس مقيّدا بشيء من المقدّمات العقلية أو العادية وإن كان لا يحصل بدونها ، فليس في تركها مع الإتيان
__________________
(١) راجع شرح المختصر للعضدي : ١ ـ ٩٠ و ٩٦ ، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي ١ : ١٠٧ ، وشرح اللمع للشيرازي ١ : ١٩٢ وغيرها.
والكعبي هو أبو القاسم بن أحمد بن محمد البلخي الكعبي ، من متأخّري متكلّمي المعتزلة البغداديين ، وتنسب إليه الطائفة الكعبيّة ، وله آراء خاصّة في علم الكلام والتفسير وفي الأصول منها هذه الشبهة.
أقام ببغداد مدّة طويلة ، ثم عاد إلى بلخ ، وتوفّي بها في شعبان سنة ٣١٩ ه.
من آثاره المقالات ، وهو تفسير كبير في اثني عشر مجلّدا ، وكتب في علم الكلام منها أوائل الأدلّة في أصول الدين.
معجم المؤلّفين ٦ : ٣١ ، وتاريخ بغداد ٩ : ٣٨٤ ، ولسان الميزان ٣ ، ٢٥٥ ، وطبقات المعتزلة : ٨٨ ـ ٨٩.
(٢) أي ( الأمر الثالث ) على ما في هامش المخطوطة.