وأما في صورة اضطراره إلى ارتكاب أحدها على البدل ، بمعنى أنه يكفي في قضاء ضرورته كل من الأطراف ، كإنائين مملوئين عنده من الماء مع عطشه المشرف معه على الهلاك مثلاً ، فلأنه لما لم يعلم بتمييز الحرام عن غيره ، والمفروض اضطراره إلى ارتكاب أحد الاطراف فيجوز له تناول أيها شاء منها ابتداءً وقضاء وطره (١) به ، ولا يعقل بقاء التكليف لما ارتكبه لو كان هو الحرام ، وأما الأطراف الاخرى ، فيكون الشك فيها بدوياً ، لاحتمال أن يكون المحرّم هو الذي تناوله أوّلاً ، فهو الآن شاك في أن عليه شيئاً أو لا ؟
وإن شئت قلت : إنّه جاز له تناول الجميع على البدل في ابتداء الأمر ، فبعد ارتكابه أحدها يشك في تنجيز شيء عليه أو لا ، فيرجع إلى البراءة .
هذا ، ولكنّ الانصاف عدم استقامة هذا الجواب :
أما أولاً : فلمنع وجوب قصد الوجه ، واشتراط العبادة به ، والقطع بعدمه ، سيما في صورة عدم التمكن منه .
وأما ثانياً : فبعد تسليم احتمال وجوبه مطلقا فالرجوع الى البراءة إنما يتم إذا قلنا أن تعذر أحد قيود المأمور به يقتضي ارتفاع التكليف عنه رأساً ، وأنه لو ثبت التكليف بعده بالأجزاء الباقية فهو تكليف وحكم جديد لموضوع آخر ، فيقتصر في خلاف الأصل على المتيقن منه .
لكنه خلاف التحقيق ، بل الحق أن تعذر أحد القيود كتعسره بسقوط ذلك القيد وحده ، لا مطلقا ، بل يبقى التكليف بالأجزاء الباقية الميسورة على حاله ، نظير بقائه في سائر أفعال الوضوء عند تعسر مباشرة الماسح للممسوح على حاله .
وعلى هذا فلا ريب أن القيد المتعذر فيما نحن فيه هو قصد الوجه ، فهو الساقط على تقدير اعتباره ، وأما غيره فيجب تحصيله ولو بالاحتياط ، فيجب الاتيان بالأكثر لاحتمال كونه هو تمام الباقي .
___________________________
(١) قال في المنجد : الوطر الحاجة ، وقال بعض اللغويين أيضاً : يقال قضى منه وطره وأوطاره .