وثانياً : قد ذكرنا في محلّه في المكاسب الحرمة في باب الكذب : أنّ التورية لا تجري في كلّ كلام ، بل تجري فيما إذا كان الكلام محتملاً لمعنيين ذاتاً ، غاية الأمر أنّ ذهن السامع ينصرف إلى أحدهما مع أنّ المتكلّم أراد المعنى الآخر ، كما إذا قال صاحب الدار ( في جواب من سئل عنه بقوله « أزيد في الدار » ) : ليس هو هنا ، وأراد منه وراء الباب لا مجموع الدار ، ونظير قول سعيد بن جبير في الجواب عن سؤال الحجّاج ، « أنت عادل قاسط » حيث أراد من « عادل » من عدل عن التوحيد مشيراً إلى قوله تعالى : ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) (١) فإنّ له معنيين ، ومن « قاسط » معنى الظلم لأنّه من الأضداد ، وإن انصرف الذهن منهما إلى معنى العدالة ، ونظير قول بعض العلماء ( في الجواب عن سؤال : خير الورى بعد النبي من هو؟ في تلك القصّة المعروفة ) :
من بنته في بيته ، فأراد من الضمير النبي صلىاللهعليهوآله فينطبق على أمير المؤمنين علي عليهالسلام ، ولعلّه كان المنصرف إلى الذهن في ذلك الزمان رجوع الضمير الثاني إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فينطبق على الخليفة الأوّل.
ويتفرّع على ذلك عدم كون التوراة داخلة في أنواع الكذب ، كما يتفرّع عليه أنّ التورية لا تجري في كلّ كلام وفي كلّ مقام ، بل لها موارد خاصّة ، وحينئذٍ لا يمكن القول باحتمال التورية في جميع موارد التقيّة.
هذا ، وتمام الكلام في محلّه في المكاسب المحرّمة.
الفصل الخامس : في المرجّحات الخارجيّة
جعل الشيخ الأعظم رحمهالله مجموع المرجّحات على قسمين : داخليّة وخارجيّة ، فالداخلية عبارة عن كلّ مزية غير مستقلّة بنفسها ، وهى على ثلاثة أقسام مرّ ذكرها تفصيلاً ، والخارجيّة عبارة عن كلّ مزية مستقلّة بنفسها ولو لم يكن هناك خبر أصلاً ، وهى على خمسة أقسام :
١ ـ ما لا تكون معتبرة لتعلّق النهي بها ، وهى الأمارات الظنّية غير المعتبرة المنهي عنها كالقياس.
__________________
(١) سورة الأنعام : الآية ١.