الإكمال من ناحية البشر ، بل أضعف ممّا يتداول في العصر الحاضر من وضع القوانين من ناحية الوكلاء المنتخبين من الناس فإنّ نتيجته قانون واحد لبلد واحد لا قوانين كثيرة بعدد آحاد الفقهاء ، ولنعم ما قال مولانا أمير المؤمنين فيما روي عنه عليهالسلام في نهج البلاغة في ذمّ الفتيا حيث قال : « ترد على أحدهم القضيّة في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثمّ ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم ، فيصوّب آراءهم جميعاً وإلههم واحد ونبيّهم واحد وكتابهم واحد أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه ، أم نهاهم عنه فعصوه » (١).
وهو مخالف أيضاً لحديث الثقلين المتواتر بين الفريقين المانع عن ضلالة الامّة بصريحه ، وخطبة النبي صلىاللهعليهوآله في حجّة الوداع : « أيّها الناس ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة ويباعدكم عن النار إلاّوقد أمرتكم به وما من شيء يقرّبكم إلى النار ويباعدكم عن الجنّة إلاّوقد نهيتكم عنه » (٢) ، بل هو مخالف لقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ) فإنّ الدين الكامل لا يحتاج في تشريعاته إلى أبناء البشر واتّباع امّته ، والإنصاف أنّهم لم يقعوا في هذه المشكلة إلاّبترك الثقل الأصغر أعني أئمّة أهل البيت عليهمالسلام فهذه جريمة مترشحة عن ذاك الجرم ونتيجة لذلك الإثم.
وعلى كلّ حال لا يخفى في أنّه بناءً على هذا المعنى للسببيّة تدخل الأمارات المتعارضة في باب التزاحم ويكون مقتضى القاعدة حينئذٍ التخيير ( بناءً على كون المصلحة السلوكيّة فيما يكون أمارة اقتضائيّة ، وأمّا إذا قلنا بأنّها ثابتة في الأمارة الفعليّة فتدخل في باب التعارض كما هو ظاهر ).
٢ ـ ما قال به المعتزلي وهو أنّ لنا واقعاً محفوظاً قد تصيبه الأمارة وقد تخطىء ، ولكنّها في صورة الخطأ توجد مصلحة أقوى من مصلحة الواقع في مؤدّيها ، فتوجب سقوط الواقع عن الفعلية وانقلاب الحكم الواقعي إلى مؤدّى الأمارة.
وهذا المعنى أيضاً أجمع الأصحاب على بطلانه ، ويكون مقتضى القاعدة بناءً عليه هو التخيير ( على تفصيل مرّ ذكره بين الحجّية الاقتضائيّة والفعليّة ) لأنّ الأخبار المتعارضة تدخل
__________________
(١) صبحي الصالح : خ ١٨.
(٢) اصول الكافي : ج ٢ ، ص ٧٤.