أمّا القول الثاني : فحاصل ما استدلّ له أنّه يرجع إلى التمسّك بعموم لا تنقض في الشبهة المصداقيّة ، لأنّه يحتمل أن يكون رفع اليد عن اليقين السابق من قبيل نقض اليقين باليقين فإنّ احتمال انطباق هذا الأثر على الجنابة المعلوم ارتفاعها مساوق لإحتمال تحقّق اليقين بارتفاع الجنابة الحادثة عند حدوث هذا الأثر.
إن قلت : أنّه لا معنى للشكّ في تحقّق اليقين وعدمه ، لأنّ اليقين من الصفات النفسانية التي لا يمكن تطرّق الشكّ إليها فإمّا يعلم بوجوده في عالم النفس أو يعلم بعدمه.
قلت : إنّ متعلّق حكم الشارع بالإبقاء نفس الجنابة الخارجية الحاصلة عند وجود هذا الأثر ، وإنّما أخذ هذا العنوان ( الجنابة الحاصلة عند وجود الأثر ) للاشارة إلى الموجود الخارجي ، وإلاّ فلا دخل لهذا العنوان في الحكم الشرعي بلا إشكال ، فلو علم بارتفاع الجنابة الخارجية ( بأي عنوان كان وبأيّة إشارة فرضت ) فقد حصلت الغاية وهو اليقين بارتفاع الجنابة وكان رفع اليد عن المتيقّن السابق من قبيل نقض اليقين باليقين فإحتمال إنطباق عنوان المتيقّن في المقام على الجنابة المعلوم ارتفاعها يوجب احتمال كون رفع اليد عنه من قبيل نقض اليقين باليقين فلا يصحّ التمسّك بعموم « لا تنقض » لإثبات بقائها.
والحاصل : أنّ اليقين والشكّ وإن كانا من الامور النفسانيّة التي لا يمكن الشكّ في تحقّقها ، ولكن الكلام هنا في متعلّق اليقين ، فقد يكون العنوان الذي أخذ في متعلّقه منطبقاً على عنوان آخر في الخارج ، ومجرّد هذا الاحتمال يوجب احتمال تحقّق اليقين بارتفاع الجنابة في المثال ولو بعنوان آخر ، فالشكّ إنّما هو في انطباق العنوانين اللذين تعلّق بهما الشكّ واليقين ، فتأمّل فإنّه دقيق.
هذا كلّه بالنسبة إلى القول الثاني.
وأمّا القول الثالث : فهو تفصيل المحقّق الهمداني رحمهالله بين ما ذكرنا من المثال فيجري فيه الاستصحاب وبين ما إذا علم الإنسان باحتلامه ليلة السبت ولم يغتسل منها بل عوّض ثوبه فقط ، ثمّ نام واغتسل بعد الإستيقاظ ثمّ نام في ليلة الأحد ورأى أثر الجنابة في ثوبه بعد الإستيقاظ ، فهو يحتمل أن يكون هذا الأثر من الإحتلام الذي يحتمل وقوعه في النوم الثاني من ليلة السبت ، أو من الإحتلام المحتمل وقوعه في ليلة ، الأحد ، فإن كان من الأوّل فلا أثر لهذا الإحتلام ، لأنّه من قبيل وقوع الحدث بعد الحدث ، وإن كان من الثاني فيجب الغسل عنها ،