لما دعت المولى إلى إيجاب ذي الفوائد فينطبق حينئذٍ على أكثر الواجبات النفسيّة تعريف الغيري.
ثمّ ذكر في مقام دفع هذا الإيراد وتصحيح التعريف ما حاصله : إنّ الخواص والفوائد المترتّبة على أكثر الواجبات النفسيّة وإن كانت لازمة قطعاً ولكنّها حيث كانت خارجة عن تحت قدرة المكلّف لم يصحّ تعلّق التكليف بها لتكون واجبة وينطبق على أكثر الواجبات النفسيّة تعريف الغيري.
وأجاب عنه : بأنّ الفوائد وإن كانت بنفسها خارجة عن تحت القدرة ولكنّها مقدورة للمكلّف بالواسطة ، وهي تكفي في صحّة تعلّق التكليف بها فإنّ القدرة على السبب قدرة على المسبّب ، ولذا قد يؤمر بالتطهير والتمليك والطلاق إلى غير ذلك من المسبّبات التي هي خارجة بنفسها عن تحت القدرة.
ثمّ صحّحه بطريق آخر وحاصله : أنّ الواجب النفسي معنون بعنوان حسن في نفسه ولم يؤمر به إلاّلحسنه الكذائي وإن كان مقدّمة لواجب آخر ، أي لما يترتّب عليه من الخواصّ والفوائد اللازمة الواجبة ، والواجب الغيري ما أمر به لأجل واجب آخر وإن كان معنوناً بعنوان حسن في نفسه كما في الطهارات الثلاثة ( انتهى ).
واستشكل عليه المحقّق النائيني رحمهالله : بأنّ « حسن الأفعال المقتضى لايجابها إن كان ناشئاً من كونها مقدّمة لما يترتّب عليها من المصالح فإشكال لزوم كون جلّ الواجبات واجبات غيريّة قد بقي على حاله ، وإن كان الحسن ثابتاً لها في حدّ ذواتها مع قطع النظر عن ما يترتّب عليها من المصالح فلازمه أن لا يكون الوجوب المتعلّق بها متمحّضاً في النفسيّة ولا في الغيريّة لثبوت ملاكهما حينئذٍ كما في أفعال الحجّ فإنّ المتقدّم منها واجب لنفسه ومقدّمة للمتأخّر فلا يكون وقع للتقسيم حينئذٍ أصلاً » (١).
ثمّ أجاب المحقّق المذكور عن أصل الإشكال بأنّ « الأفعال بالإضافة إلى ما يترتّب عليها من المصالح من قبيل المعدّات التي يتوسّط بينها وبين المعلول امور غير اختياريّة ، فلا يمكن تعلّق الإرادة التكوينيّة بها ، فكذلك التشريعيّة لما بيّنا من الملازمة بينهما إمكاناً وامتناعاً ، فهي
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ١٦٧.