قلنا : نعم لكنّه لا ينافي كون النزاع فيهما أيضاً في الاقتضاء بمعنى العلّية لأنّ كاشفية الدليل فيهما تكون كاشفية عن حصول تمام المصلحة وهو يكون صغرى لعلّية الإجزاء ، أي كلّما حصل تمام المصلحة حصل الإجزاء وحصول الإجزاء علّة لسقوط الأمر فيصحّ التعبير فيهما أيضاً بأنّ إتيان المأمور به علّة للإجزاء لأنّه كاشف عن صغرى علّية الإجزاء وهي حصول تمام المصلحة ( انتهى بتوضيح منّا ).
وقال في تهذيب الاصول ما حاصله : لا يتصوّر العلّية في ما نحن فيه بأيّ معنى فسّر به الإجزاء سواء فسّر بالكفاية أو بسقوط الأمر أو سقوط الإرادة ، أمّا الأوّل فلأنّها معنى انتزاعي لا يقع مورد التأثير والتأثّر التكوينيين ، وأمّا الثاني فلأنّ الإتيان ليس علّة مؤثّرة في سقوط الأمر كما أنّ السقوط والاسقاط ليسا من الامور القابلة للتأثير والتأثّر الذين هما من خصائص التكوين ، وأمّا الثالث فلأنّ منشأ إرادة المولى تصوّره المراد بما له من المصلحة وهي علّة لأمره بإتيان المأمور به فيكون الإتيان معلولاً للإرادة ، فكيف يصير المعلول علّة لانعدام علّته؟ فالأولى دفعاً لهذه التوهّمات أن يقال : إنّ الإتيان بالمأمور به هل هو مجزٍ أو لا؟ (١) ( انتهى ).
أقول : ولكن يرد عليه :
أوّلاً : أنّ الامور الانتزاعيّة وإن لم تقع مورداً للتأثير والتأثّر إلاّ أنّ لها منشأً للانتزاع ، وهو في ما نحن فيه تحقّق المصلحة وحصول الغرض ، فيمكن أن يقال بأنّ الإتيان علّة للإجزاء والكفاية باعتبار علّيته لمنشأ انتزاع الكفاية وهو حصول الغرض.
ثانياً : أنّ منشأ الإرادة ليس خصوص تصوّر المراد بما له من المصلحة بل هو بضميمة فقدان المراد كفقدان الماء في قولك « اسقني الماء » فيكون الفقدان موضوعاً للإرادة والطلب ، وبعد الإتيان يتبدّل الفقدان إلى الوجدان ، فينعدم موضوع الطلب بوجدان الماء مثلاً وبتبعه ينعدم نفس الطلب والأمر ، وهو أمر وجداني غير قابل للانكار فصار إتيان المأمور به علّة لسقوط الأمر وانعدامه.
وثالثاً : لا يندفع الإشكال بتبديل العنوان المزبور إلى ما ذكره من العنوان وهو « أنّ الإتيان
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٣٦ و ١٣٧ ، طبع مهر.