وأمّا القائلون باتّحادهما فاستدلّوا لها بوجوه :
أحسنها التمسّك بالوجدان حيث إنّا إذا راجعنا إلى أنفسها لا نجد أمرين : أحدهما : الطلب ، والثاني : الإرادة ، بل الإرادة من الغير إنّما هي البعث نحو العمل وتسمّى طلباً أيضاً ، هذا في الإنشائيات ، وكذلك في الإخباريات فلا نجد في أنفسنا شيئين : أحدهما : العلم ، والثاني : الكلام النفسي ، بل الموجود في النفس شيء واحد ، تارةً يسمّى بالعلم ( وهو التصوّر والتصديق ) واخرى يسمّى بالكلام النفسي.
هذا بالنسبة إلى أنفسنا ، وكذلك بالنسبة إلى الباري تعالى ، فإنّا بوجداننا لا نتصوّر ما وراء علمه وقدرته شيئاً يسمّى بالكلام النفسي حتّى نصدّقه ، والتصديق فرع التصوّر وكذلك لا نتصوّر وراء الإرادة ( وإرادته عين علمه ) شيئاً باسم الطلب النفساني ، وإذا لم يمكن تصوّره لم يمكن تصديقه ، وهذا أمر ظاهر لا سترة عليه.
بقي هنا أمران :
الأمر الأوّل : ذهب بعض الأعلام تبعاً لُاستاذه المحقّق النائيني رحمهالله إلى اختلاف الإرادة والطلب ببيان آخر يقرب ممّا مرّ ، وهو أنّ الإرادة بواقعها الموضوعي من الصفات النفسانيّة ، ومن مقولة الكيف القائم بالنفس ، وأمّا الطلب فهو من الأفعال الاختياريّة الصادرة عن الإنسان بالإرادة والاختيار حيث إنّه عبارة عن التصدّي نحو تحصيل شيء في الخارج ، ومن هنا لا يقال : طالب الضالّة أو طالب العلم إلاّلمن تصدّى خارجاً لتحصيلهما.
وبكلمة اخرى : أنّ الطلب عنوان للفعل سواء أكان الفعل نفسانياً أم خارجياً ، فلا يصدق على مجرّد الشوق والإرادة النفسانيّة.
ويظهر ذلك بوضوح من مثل قولنا : « طلبت زيداً فما وجدته » أو « طلبت من فلان كتاباً مثلاً فلم يعطني » وهكذا ، ضرورة أنّ الطلب في أمثال ذلك عنوان للفعل الخارجي وليس إخباراً عن الإرادة والشوق النفساني فحسب من دون الفرق بين أن يكون متعلّقاً بفعل نفس