في تعارض بيّنة النّفي مع بيّنة الإثبات
فالتّحقيق في الجواب أن يقال : إنّ هذا الدّليل مبنيّ على مقدّمتين :
الأولى : صلاحيّة معارضة بيّنة النّفي لبيّنة الإثبات ، وهي مبنيّة على مقدّمتين :
إحداهما : حجيّة بيّنة النّفي في نفسها. ثانيتهما : كونها في مرتبة بيّنة الإثبات.
الثّانية : ثبوت التّرجيح في تعارض البيّنات بمطلق الظّن كما في تعارض الأخبار حسب ما هو قضيّة ظاهر كلمتهم.
وشيء منهما غير ثابت عندنا ، بل الثّابت عندنا ، بل وعند المحقّقين خلافهما.
أمّا الأولى : فلأنّ بيّنة النّفي لا يخلو : إمّا أن تكون لها جهة إثبات أو لا. وبعبارة أخرى : إمّا أن ترجع إلى نوع من الإثبات ، أو لا. فإن لم ترجع إليه ، كما لو أقام أحد المترافعين بيّنة على اشتغال ذمّة صاحبه بعشرة دينار مثلا ، وأقام الآخر بيّنة على عدم اشتغال ذمّته بالمبلغ المذكور وبراءة ذمّته عنه ، فلا إشكال في عدم اعتبارها حتّى فيما لم يكن هناك بيّنة على خلافها ؛ لأنّ البيّنة الّتي تشهد على البراءة الأصليّة لا يخلو : إمّا أن يستند في شهادتها إلى القطع ، أو أصالة البراءة.
فإن استندت إلى القطع فلا إشكال في عدم اعتبارها ؛ لأنّه نظير قطع القطّاع ، وخبر الفاسق في كثرة مخالفته بالنّسبة إلى الواقع الموجبة لعدم جواز تصديقها في أخبارها المستندة إليه ؛ ضرورة أنّ أسباب الاشتغال غير محصورة لا يمكن العلم بنفيها عادة ، فالمدّعي للقطع بعدمها لا بدّ من أن يستند فيه إلى حدس غير موجب