فانّ المقام أجنبي عنه ، فان اقتضاء المحال إنّما يتحقق في أحد موردين :
الأوّل : ما إذا كان هناك شيء واحد يقتضي بذاته أمرين متنافيين في الوجود.
الثاني : ما إذا فرض هناك ثبوت المقتضي لكل من الضدّين بقيد الاجتماع والتقارن ، ومن الواضح أنّه لا صلة لكلا الموردين بالمقام ، وهو ما إذا كان هناك مقتضيان كان كل واحد منهما يقتضي شيئاً مخصوصاً ، وأثراً خاصاً في نفسه ، بلا ربط له بالآخر ، وهذا هو مراد القائلين بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ، فانّهم بعد ما تسالموا على الكبرى ـ وهي وجوب مقدمة الواجب ـ قد نقحوا الصغرى ـ وهي كون عدم أحد الضدّين مقدمة للضدّ الآخر ـ بالشكل الذي بيّناه ، ثمّ أخذوا النتيجة بضمّ الصغرى إلى الكبرى وهي حرمة الضد.
وأمّا النقطة الثالثة : فيرد عليها أنّ المعاندة والمنافرة بين الضدّين لو سلّم اقتضاؤها للتوقف المزبور ، فلا يسلم اقتضاؤها له بين النقيضين ، إذ لا يعقل التوقف بين النقيض وعدم نقيضه ، بداهة أنّ عدم الوجود عين العدم البديل له فكيف يعقل توقف ذلك العدم على عدم الوجود ، لأنّه من توقف الشيء على نفسه وهو محال ، مثلاً عدم الانسان عين العدم البديل له فلا يكاد يمكن توقف العدم البديل له على عدمه ، بداهة أنّ توقف شيء على شيء يقتضي المغايرة والاثنينية بينهما في الوجود ، فضلاً عن المغايرة في المفهوم. ومن الظاهر أنّه لا مغايرة بين عدم الانسان مثلاً والعدم البديل له لا خارجاً ولا مفهوماً.
نعم ، المغايرة المفهومية بين عدم العدم والوجود ثابتة ، لكنّه لا تغاير بينهما في الخارج ، مثلاً الانسان مغاير مفهوماً مع عدم نقيضه وهو العدم البديل له ، ولكنهما متحدان عيناً وخارجاً ، فان عدم عدم الانسان عين الانسان في الخارج ، إذن لا معنى لتوقف تحقق أحد النقيضين على عدم الآخر.
وهذا بخلاف الضدّين ، فانّه لمكان المغايرة بينهما مفهوماً وخارجاً لا يكون