أمّا أوّلاً : فلأ نّه لا طريق لنا إلى إثبات هذه الدعوى إلاّمن طريق إدراك العقل ، وذلك لأنّها ليست من الامور المحسوسة القابلة للادراك بإحدى القوى الظاهرة ، ولكن إذا عزلنا العقل عن حكمه وأ نّه لا يدرك الحسن والقبح فما هو المبرّر لها والحاكم بها وكيف يمكن تصديقها والعلم بثبوتها له تعالى.
وأمّا ثانياً : فلأنّ إثبات هذه العادة له تعالى تتوقف على تصديق نبوّة الأنبياء السابقين الذين أظهروا المعجزة وجاؤوا بها ، وأمّا من أنكر نبوّتهم أو أظهر الشك فيها فكيف يمكن حصول العلم له بثبوت هذه العادة.
وبكلمة اخرى : العادة إنّما تحصل بالتكرار وتعاقب الوجود ، وعليه فننقل الكلام إلى أوّل نبي يدّعي النبوّة ويظهر المعجزة ، فكيف يمكن تصديقه في دعواها ، وما هو الطريق لذلك والدافع لاحتمال كونه كاذباً في دعوته بعد عدم إدراك العقل قبح إظهار المعجزة بيد الكاذب من ناحية ، وعدم ثبوت العادة المفروضة من ناحية اخرى.
وقد تحصّل من ذلك : أنّه لا طريق إلى إثبات نبوّة مَن يدّعيها إلاّ إدراك العقل قبح إظهاره تعالى المعجزة بيد الكاذب ، ولولاه لا نسدّ باب إثبات النبوة.
وأمّا ثالثاً : فلأ نّا لو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا أنّ عادة الله تعالى قد جرت على ذلك ، ولكن ما هو المانع من تغيير هذه العادة وما هو الدافع لهذا الاحتمال ، ومن الطبيعي أنّه لا دافع له إلاّ إدراك العقل قبح ذلك ، وإذا افترضنا أنّ العقل لا يدرك قبحه ولا مانع عنده من هذا التغيير ، فإذن ما هو الدافع له؟
ومن ضوء هذا البيان يظهر بطلان دعوى جريان عادته تعالى على مؤاخذة العاصي وإثابة المطيع أيضاً ، بعين ما قدّمناه فلا نعيد.
وتوهم أنّ إثابة المطيع ومؤاخذة العاصي مستندة إلى وعده تعالى ووعيده