وأورد على المشهور بما ملخّصه : أنّ الملاك في تمايز العلوم لو كان تمايز موضوعاتها ، فلازمه أن يكون كل باب بل كل مسألة علماً على حدة ، لتحقق هذا الملاك فيهما.
والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ إطلاق كل من القولين ليس في محلّه ، وبيان ذلك : أنّ التمايز في العلوم تارةً يراد به التمايز في مقام التعليم والتعلم ، لكي يقتدر المتعلم ويتمكن من تمييز كل مسألة ترد عليه ، ويعرف أنّها مسألة اصولية أو مسألة فقهية أو غيرهما.
واخرى يراد به التمايز في مقام التدوين ، وبيان ما هو الداعي والباعث لاختيار المدوّن عدّة من القضايا والقواعد المتخالفة ، وتدوينها علماً واحداً ، وتسميتها باسم فارد ، واختياره عدّة من القضايا والقواعد المتخالفة الاخرى وتدوينها علماً آخر وتسميتها باسم آخر ، وهكذا.
أمّا التمايز في المقام الأوّل : فيمكن أن يكون بكل واحد من الموضوع والمحمول والغرض ، بل يمكن أن يكون ببيان فهرس المسائل والأبواب إجمالاً ، والوجه في ذلك : هو أنّ حقيقة كل علمٍ حقيقة اعتبارية ، وليست وحدتها وحدةً بالحقيقة والذات ليكون تمييزه عن غيره بتباين الذات ، كما لو كانت حقيقة كل واحد منهما من مقولة على حدة ، أو بالفصل كما لو كانت من مقولة واحدة ، بل وحدتها بالاعتبار ، وتمييز كل مركب اعتباري عن مركب اعتباري آخر يمكن بأحد الامور المزبورة.
وأمّا التمايز في المقام الثاني : فبالغرض إذا كان للعلم غرض خارجي يترتب عليه ، كما هو الحال في كثير من العلوم المتداولة بين الناس كعلم الفقه والاصول والنحو والصرف ونحوها ، وذلك لأنّ الداعي الذي يدعو المدوّن لأن يدوّن عدّة من القضايا المتباينة علماً كقضايا علم الاصول مثلاً ، وعدّة اخرى منها