من المحققين .. وقال قوم الاستعارة على قسمين. الأول أن يعتمد نفس التشبيه ، وهو أن يشترك شيئان في وصف واحد ، أحدهما أنقص من الآخر فيعطي الناقص اسم مبالغة في تحقيق ذلك الوصف له ، كقولك : رأيت أسدا ، وأنت تعني رجلا شجاعا ، وعنّت لنا ظبية وأنت تعني امرأة ، وتجيء الأقسام الأربعة وقد تقدمت.
الثاني : أن تعتمد لوازمه وهو عند ما تكون جهة الاشتراك وصفا انما يثبت بكماله في المستعار منه بواسطة شيء آخر ، فيثبت ذلك الشيء في المستعار له مبالغة في إثبات المشترك ، ويسمى استعارة تخييلية كقول لبيد :
وغداة ريح قد وزعت وقرّة |
|
إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها |
استعار ـ اليد ـ للشمال ، وليس هناك مشار إليه يمكن أن يجري اسم اليد عليه كما أجرى الأسد على الرجل ، لكنه خيل إلى نفسه أن الغداة في تصريف الشمال على حكم طبيعتها كالانسان المتصرف في بعيره وزمامه ومقادته في يده ، وتصرف الإنسان إنما يكمل باليد فأثبت لها اليد تحقيقا للغرض وحكم الزمام في الاستعارة للغداة حكم اليد في استعارتها للشمال. وكذلك قول تأبط شرا يصف سيفا :
إذا هزّه في عظم قرن تهلّلت |
|
نواجذ أفواه المنايا الضّواحك |
لما شبه المنايا عند هزه السيف بالمسرور وكمال الفرح والسرور إنما يظهر بالضحك الذي تتهلل فيه النواجذ لا جرم اثبته تحقيقا للوصف المقصود ، وإلا فليس للمنايا ما ينقل اليه اسم النواجذ. وكذلك له في الحماسة :
سقاه الرّدى سيف اذا سلّ أومضت |
|
إليه ثنايا الموت من كلّ مرقد |
_ ومن ذلك قوله تعالى : ( وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) تحقيق هذا الخلاص عن التشبيه فإن من وضع في نفسه أن كل اسم يستعار فلا بد أن يكون هناك شيء تمكن الإشارة إليه تتناوله في حال المجاز كما يتناوله في حال الحقيقة .. وقال ابن الاثير : تقسم الاستعارة إلى قسمين. الأول يجب