القسم الثالث والخمسون
التصريح بعد الإبهام. ويسمى التفسير
قال أئمة هذا
الشأن المراد بالتفسير بعد الابهام تفخيم المبهم واعظامه ، لأنه هو الذي يطرق
السمع أولا فيذهب السامع فيه كل مذهب كقوله تعالى : ( وَقَضَيْنا إِلَيْهِ
ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ) فسر ذلك الأمر
بقوله ـ أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ـ وفي ابهامه أولا وتفسيره بعد ذلك تفخيم
للمبهم وتعظيم لشأنه فانه لو قال تعالى ـ وقضينا اليه أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين
ـ لما كان بهذه المثابة من الفخامة فإنّ الابهام أولا يوقع السامع في حيرة وتفكر
واستعظام لما قرع سمعه فيتشوف إلى معرفة كنهه والاطلاع عليه وعلى حقيقته .. ومن
هذا الباب قوله تعالى : ( اهْدِنَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) لما جاء في الاول
من التنبيه والاشعار بأن ـ الصراط المستقيم ـ هو صراط المؤمنين فدل عليه بأبلغ وجه
كما تقول ـ هل أدلك على أكرم الناس وأفضلهم ـ ثم تقول ـ فلان ـ فيكون ذلك أبلغ في
وصفه بالكرم والفضل من قولك هل أدلك على فلان الأكرم والأفضل لأنك بدأت بذكره
مجملا ثم بينته مفصلا فجعلته علما في الكرم والفضل كأنك قلت من أراد رجلا جامعا
للخصلتين جميعا فعليه بفلان. وعلى نحو من هذا جاء قوله تعالى : ( وَقالَ
الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ ) إلى قوله : (
يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ ) ألا ترى كيف قال ـ أهدكم سبيل الرشاد ـ فأبهم سبيل الرشاد
فلم يبين أي سبيل هو ، ثم فسر ذلك فافتتح كلامه بذم الدنيا