البحث العلمي ، لهذا ردت من قبل مستشرقين آخرين ، لأنها لم تدعم بدليل نصي أو تأريخي أو واقع اجتماعي مدروس ، سوى الميل إلى الهوى والجنوح إلى العاطفة ، وهذا ما يؤسف له حقا.
وقد يكون دافع الاستشراق دافعا استعماريا تمليه طبيعة عمل المستشرقين في البلدان العربية والإسلامية ، من ضرورة إتقان اللغة ، والتخصص بجملة من فنون الشرق ، ومن ثم يتولد لدى المستشرق ولع خاص يحدو به إلى الاضطلاع بمهماته ، ولكنه لا يخضع هذا الولع على سجيته ، بل يخضعه لمفاهيم استعمارية قد خطط لها من ذي قبل ، كأن يشكّك المسلمين بعقيدتهم ، أو يسفّه أحلامهم ، أو ينحو باللائمة على أئمتهم ، أو يقلل من أهمية تراثهم.
وقد لا تملي هذا طبيعة العمل بل يكون هو الهدف الأول والأخير للاستعمار من عمل المستشرق في هذا المحيط أو ذاك.
ومن هنا قد يكون المنهج الاستعماري فاضحا للاستشراق بالطريقة التي برمجها للمستشرق من تشتيت أمر الأمّة ، والدعوة إلى تفريق الكلمة ، وإبراز وجهات الاختلاف ، أو تعدد المذاهب ، فيدعى المستشرق من قبل دوائره إلى تضخيم هذه النزعات ، وتكثيف تلك الدعاوى ، فيبث سمومه من خلال هذه الثغرات ، ويمثل الإسلام بأنه : دين فرقة وخصومة وتصدع ، والأغلب أن يضيف من عنديّاته ما لم يكن ، فيصور ما لم يحدث ، ويناقش ما لم يقع. لا سيما إذا كانت كتابته تتعلق بدين أو تراث أو تاريخ تخطيط للبلدان ، أو تصوير للاجتماع ، أو دراسة نفسية لطبيعة الشعوب المستعمرة.
فعلى سبيل المثال : كان « كرستيان سنوك هورجرونية » ( ١٨٥٧ م ـ ١٩٣٦ م ) رجلا يعتمد على خبرته العلمية بالشرق ، وقد قام في رسالته ـ ( العيد المكّي ـ ١٨٨٠ م ) تلك التي لم تفقد قيمتها إلى اليوم ـ بفحص ناقد للتصريحات القرآنية الخاصة بإبراهيم عليهالسلام ، واعتباره الأب الأول للإسلام ومنشئ الكعبة ، وقد أقام ـ استعدادا للعمل في خدمة الاستعمار ـ نصف عام متخفّيا في ١٨٨٥ م بين المسلمين في مكّة ، وأنجز كتابا عن مكّة خدمة