الشيء نفسه يتحقق للقائد المنتظر من خلال عمره المديد الذي يتيح له أن يشهد العملاق وهو قزم والشجرة الباسقة وهي بذرة ، والإعصار وهو مجرد نسمة (١).
اضف الى ذلك ان التجربة التي تتيحها مواكبة تلك الحضارة المتعاقبة ، والمواجهة المباشرة لحركتها وتطوارتها لها أثر كبير في الإعداد الفكري وتعمير الخبرة القيادية في اليوم الموعود ؛ لأنها تضع الشخص المدّخر امام ممارسات كثيرة للآخرين بكل ما فيها من نقاط الضعف والقوة ، ومن ألوان الخطأ والصواب ، وتعطي لهذا الشخص قدرة اكبر على تقييم الظواهر الاجتماعية بالوعي الكامل على أسبابها ، وكل ملابساتها التاريخية.
ثمّ إنّ عملية التغيير المدّخرة للقائد المنتظر تقوم عى أساس رسالة معينة هي رسالة الاسلام ، ومن الطبيعي ان تتطلّب العملية في هذه الحالة قائداً قريباً من مصادر الاسلام الاولى ، قد بنيت شخصيته بناءً كاملاً بصورة مستقلة ومنفصلة عن مؤثرات الحضارة التي يقدر اليوم الموعود أن يحاربها.
وخلافاً لذلك ، الشخص الذي يولد وينشأ في كنف هذه الحضارة وتتفتح افكاره ومشاعره في إطارها ، فإنّه لا يتخلص غالباً من رواسب تلك الحضارة ومرتكزاتها ، وإن قاد حملة تغييرية ضدّها.
فلكي يضمن عدم تأثر القائد المدّخر بالحضارة التي اُعدّ لإستبدالها ، لابدّ أن تكون شخصية قد بنيت بناءاً كاملاً حضارية سابقة هي أقرب ما
__________________
(١) وكلّ ذلك له مدخلية في تربية وإعداده الاعداد الخاص ، بما في ذلك من امتلاكه النظرة الشمولية العميقة ، فضلاً عن شهوده بنفسه ضآلة أولئك المتعملقين الذين يملؤون الدنيا ضجيجاً وصخباً ، ويسترهبون الناس ، وهذا الشهود يؤهله أكثر فأكثر لأداء مهمته الكونية في التغيير ، أي ملئه للأرض عدلاً بعد ما ملئت ظلماً ، هذه بغمض النظر الى مؤهلاته الذاتية ، والعناية الربانية الخاصة.