التماثيل ومن
الحيوان والنبات آلهة مدبرة يعقد على رضاها الأمل ويتزلف اليها بالعبادة ويطلب معونتها في الحوائج ، ويضرع اليها في النوازل ، وقد تسامى به الوعي قليلا لما أله النار والنور ولما عبد الأرواح والكواكب.
وارتقى به الشعور ورام أن يفلسف صنيعه
هذا فقال بالتثنية ، بآله للخير وإله للشر ، بإله للنور وإله للظلمة ، وقال بالتثليلث ، بأقانيم يلتئم منها واحد ، أو بأعضاء تتألف منها شركة واحدة ، وقال باله لكل نوع من الأنواع ، وقال باله بكل ظاهرة من الظواهر ، وقال بالتعدد المطلق ، فلا حصر للآلهة ، ولا ضبط وقال بالاتحاد ، وقال بالحلول ، وتناقلته أهواء وتقاذفته أمواج. وهذا التأرجح الدائب وهذه الذبذبة المستمرة إنما هما وليدا هوى مكين يعصف به أن يتوجه ويعصف به كذلك أن يتعرف.
ويشعر المرء شعوراً قويا بهذه النزعة
حين يعلق بحبائل القدر فلا يستطيع الفكاك ، وحين يقع في قبضة الظلم فلا يملك الانتصار. هنا وهناك يفزع بفطرته الى قوة غيبية قادرة قاهرة ، لا حدّ لقدرتها. ولا منتهى لسلطانها ، تملك الفرج وتحكم بالعدل. يفزع الى هذه القوة الغالبة العالمة لتنقذه من الشدة ، أو يستعديها لتنصفه من العدوان.
والتطلع إلى الغيب المجهول في صورته
المصغرة يوجد لدى الاطفال في أولى درجات التمييز ، ولعل من آثار هذا النزوع المبهم اننا نرى الاذكياء منهم يلحفون في السؤال عن مصدر الشيء ثم يرتفعون بسؤالهم والحافهم مع سلسلة أسبابه ، ولا يقنعهم أن نقف بهم على سببه الأدنى ، ويمنعون كذلك في الاستفهام عن غاية الشيء ، ويتدرجون في الاستفهام والاستقصاء مع سلسلة غاياته ، ولا يروي ظمأهم أن نذكر لهم غايته القريبة.