« نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك » أي ليس يخفى علينا حال هؤلاء المشركين وغرضهم في الاستماع إليك « وإذ هم نجوى » أي متناجون ، والمعنى : إنا نعلمهم في حال ما يصغون إلى سماع قراءتك ، وفي حال يقومون من عندك ويتناجون فيما بينهم ، فيقول بعضهم : هو ساحر ، وبعضهم : هو كاهن ، وبعضهم : هو شاعر ، وقيل : يعني به أبا جهل وزمعة بن الاسود وعمرو بن هشام وخويطب بن عبدالعزى ، اجتمعوا وتشاوروا في أمر النبي صلىاللهعليهوآله ، فقال أبوجهل : هو مجنون ، وقال زمعة : هو شاعر ، وقال خويطب : هو كاهن ، ثم أتوا الوليد بن المغيرة وعرضوا ذلك عليه فقال : هو ساحر « إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا » أي سحر فاختلط عليه أمره ، وقيل : المراد بالمسحور المخدوع والمعلل ، وقيل : أي ذا سحر ، أي رئة خلقه الله بشرا مثلكم ، وقيل : المسحور بمعنى الساحر كالمستور بمعنى الساتر. (١)
وفي قوله : « قل ادعوا الذين زعمتم » أي الملائكة والمسيح وعزير ، وقيل : هم الجن لان قوما من العرب كانوا يعبدون الجن ، عن ابن مسعود ، قال : وأسلم اولئك النفر (٢) وبقي الكفار على عبادتهم. (٣)
وفي قوله : « إن ربك أحاط بالناس » أي أحاط علما بأحوالهم وما يفعلونه من طاعة أو معصية « وما جعلنا الرؤيا التي أريناك » فيه أقوال : أحدها : أن المراد بالرؤيا رؤية العين ، والمراد الاسرى وما رآه في المعراج. وثانيها : أنها رؤيا نوم رآها أنه سيدخل مكة وهو بالمدينة فقصدها فصده المشركون في الحديبية حتى شك قوم. و ثالثها : أن ذلك رؤيا رآها النبي صلىاللهعليهوآله في منامه أن قرودا تصعد منبره وتنزل ، فساءه ذلك واغتم به ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهماالسلام ، وقالوا على هذا التأويل أن الشجرة الملعونة في القرآن هي بنو امية ، أخبره الله تعالى بتغلبهم على مقامه وقتلهم ذريته ، وقيل : إن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ، وإنما سميت فتنة لان المشركين
____________________
(١) مجمع البيان ٦ : ٤١٨ ـ ٤١٩.
(٢) في التفسير المطبوع : اولئك النفر من الجن.
(٣) مجمع البيان ٦ : ٤٢٢.