حاجة إليهما إلاّ لربط الاسمين أعني السوط والدار بالضرب ، وبيان أنّ موقع الأول كونه آلة للضرب ، والثاني محلا له من غير أن يزيدا معنى فيها أو يشيّدا مبنى لها ، فليست الحروف إلاّ روابط للأسماء الواقعة في الكلام ، تعيّن مواقعها ، وتضعها في مواضعها.
وهذا المسلك في معاني الحروف ـ على قربه للوجدان ـ قريب إلى الخبر المأثور المشهور عن واضع علم النحو عليه السلام (١)(٢) ، وتعريف أئمة الإعراب للحرف ، إذ لو كانت للحروف معان قد وضعت لها شاركت الأسماء في الإنباء عن مسمّياتها ، ولم يكن قوله عليه السلام في حدّ الاسم ، إنه : « ما أنبأ عن المسمّى » حدّا مانعا ، لأنّ الاختلاف في أنواع المنبأ لا يستلزم عدم صدق النبأ.
وكذلك قوله عليه السلام : « والحرف ما أوجد معنى في غيره » وقول النحاة : « إنّ الحرف ما دلّ على معنى في غيره » إذ ظاهرهما أنّ الحرف يوجد معنى في الغير بوصف كونه معنى ، أو يدلّ عليه كذلك.
هذا إجمال القول في تقريب هذا القول إلى الأفهام ، وعليك بكتب أصحابه إن شئت تفصيل الكلام.
وإن كان لا بدّ من مثال لهذا القسم من الوضع ، فليكن وضع أعلام الأجناس ، فإنها ممّا اختلفت فيه الآراء ، وذهبت الأفكار فيها كل مذهب ، حتى ألجأ بعضهم إلى أنّ التعريف فيها لفظي ، وقاسه بالتأنيث اللفظي ـ وأنت تعلم بالبعد الشاسع ما بين الأمرين ـ وبعضهم إلى تكلّف أمور دقيقة ، نعلم أنّ الواضع بعيد عنها بمراحل.
__________________
(١) هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، والخبر ما رواه أبو الأسود الدؤلي عنه عليه السلام ، وهذا الخبر أشهر من أن يذكر. ( مجد الدين ).
(٢) راجع الأشباه والنّظائر للسيوطي ١ : ١٢ ، وتهذيب التهذيب ١٢ : ١٢ ، ومعجم الأدباء ١٤ : ٤٩ ، وكنز العمال ١٠ : ٢٨٣ ـ ٢٩٤٥٦ ، وتأسيس الشيعة : ٤٠.