إذا كان كلّ طرف مشروطا بترك ارتكاب الآخر فإذا ارتكب أحدهما ارتفع موضوع الأصل في الطرف الآخر ؛ لأنّ شرطه منتف ، فلا يجري الأصل في الطرف الآخر ، ولذلك لا تحصل المخالفة في مقام العمل ؛ لأنّ النتيجة هي ارتكاب أحدهما فقط لا كليهما.
إلا أنّه لا يرفع المخالفة القطعيّة الالتزاميّة ، لأنّنا يمكننا أن نفترض أنّ المكلّف قد ترك كلا الإناءين ولم يرتكب شيئا منهما ، ففي هذه الحالة يتحقّق كلا الشرطين في الطرفين.
أمّا الطرف الأوّل فتجري فيه البراءة ؛ لأنّ شرطه محقّق وهو عدم ارتكاب الآخر.
وأمّا الطرف الثاني فتجري فيه أيضا ؛ لأنّ شرطه محقّق وهو عدم ارتكاب الأوّل ، وهذا نتيجته أن يعتقد المكلّف بالترخيص في كلا الطرفين ويلتزم بالترخيص فيهما ، وهذا غير معقول في نفسه ؛ لأنّ صدور الترخيص في كلا الطرفين محال في نفسه وإن لم يؤدّ إلى المخالفة العمليّة ، إذ يستحيل صدور مثل هذا الترخيص من الشارع ؛ لأنّه يتنافى مع الاعتقاد بنجاسة أحدهما.
وبهذا ظهر أنّ المحذور لا يزال على حاله ، ولا ينفع الجواب المذكور من المحقّق العراقي لدفعه كلّيّا وإن دفعه جزئيّا.
ويرد عليه : أنّ الحكم الظاهري في نفسه ليس مستحيلا ، وإنّما يمتنع إذا كان منافيا للحكم الواقعي ، والمفروض عدم المنافاة بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي لا بلحاظ نفسه ولا بلحاظ مبادئه ، فلم يبق إلا التنافي بلحاظ عالم الامتثال.
وقد فرضنا هنا أنّ حكم العقل بوجوب الموافقة القطعيّة قابل للرفع بالترخيص الشرعي على خلافه ، فلم يبق هناك تناف بين الترخيص القطعي في المخالفة الواقعيّة والتكليف المعلوم بالإجمال في أي مرحلة من المراحل.
وهذا الجواب غير تامّ ؛ إذ لا معنى لكون الترخيص القطعي في المخالفة في نفسه مستحيلا ، وإنّما يكون الترخيص القطعي في المخالفة مستحيلا إذا أدّى إلى التنافي بينه وبين الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال ، وهذا التنافي غير موجود في المقام.
وتوضيح ذلك : أنّ التنافي بين الحكم الظاهري وهو هنا ( إجراء أصالة البراءة في