وليس ذلك إلا من باب كون الإطلاق بالنسبة للموضوع شموليّا لا بدليّا ؛ لأنّه على تقدير الخمريّة فالحرمة ثابتة وفعليّة وهي محرّكة نحو الاجتناب عن كلّ خمر أو ما يوجد الخمر ، وهذا المائع إن كان خمرا يجب الاجتناب عنه وإلا فلا ، فهنا شكّ في التكليف من باب أنّ التكليف شمولي يشمل كلّ خمر في الخارج ، لا من باب الشكّ في فعليّة التكليف.
ولكن بتدقيق أعمق نستطيع أن نردّ الشكّ في خمريّة المائع إلى الشكّ في قيد التكليف ، لا عن طريق افتراض تقيّد الحرمة بوجود الخمر خارجا ، بل بتقريب : أنّ خطاب ( لا تشرب الخمر ) مرجعه إلى قضيّة شرطيّة مفادها ( كلّما كان مائع ما خمرا فلا تشربه ) ، فحرمة الشرب مقيّدة بأن يكون المائع خمرا سواء وجد خارجا أم لا ، فإذا شكّ في أنّ الفقّاع خمر أو لا مثلا جرت البراءة عن الحرمة فيه.
والتحقيق أنّه يمكن الاستغناء عن الميزان الثاني كما ذكر الميرزا ، لكن لا على أساس إرجاع الشكّ في الموضوع أو المتعلّق أو الشروط إلى الشكّ في فعليّة التكليف ، بل على أساس آخر وهو : أنّ الضابط لجريان البراءة في الشبهات الموضوعيّة كون الشكّ فيما يستتبع الحكم الفعلي الشامل للقيد والموضوع والمتعلّق والشروط.
وتوضيح ذلك : أنّ خطاب ( لا تشرب الخمر ) مفاده جعل الحرمة على نهج القضيّة الحقيقيّة التي جوهرها وروحها القضيّة الشرطيّة كما تقدّم في محلّه ، فيكون المقصود ( أنّه كلّما كان المائع خمرا فلا تشربه ) ، وحينئذ تكون الحرمة مقيّدة بكون المائع خمرا على تقدير وجوده ؛ لأنّ القضيّة الحقيقيّة يكون الموضوع فيها مقدّر ومفترض الوجود ، والحكم ينصبّ على الصورة الذهنيّة للموضوع بقصد كونها حاكية ومرآة للخارج.
وعليه ، فالحرمة ثابتة على تقدير كون المائع متّصفا بالخمريّة سواء وجد الخمر في الخارج أم لا ، وهذا يعني أنّ قيد الحرمة هو اتّصاف المائع بالخمر ، وهذا ثابت في مرحلة جعل الحكم.
وأمّا وجود الخمر في الخارج فهو ليس قيدا في الحرمة ، لا في مرحلة الجعل ؛ لاستحالة إناطة جعل الحرمة في عالم التشريع والجعل بقيد خارجي لاختلاف السنخيّة بينهما ؛ لأنّ الحرمة تنصبّ على الموضوع الذهني وهو غير الموضوع الخارجي