إلا أنّه يمكن الجواب عمّا ذكره الميرزا بأنّ الميزان الثاني لا يمكن الاستغناء عنه مطلقا ؛ إذ لا يمكننا إرجاع سائر القيود إلى قيود التكليف ليكون الشكّ فيها شكّا في فعليّة التكليف.
وتوضيح ذلك : أنّ متعلّق المتعلق أي الموضوع تارة يكون مأخوذا قيدا في التكليف وأخرى لا يكون كذلك ، فإذا كان الموضوع من الأمور الخارجة عن اختيار المكلّف تعيّن أخذه قيدا في التكليف.
كما في مثل قولنا : ( إذا زالت الشمس فصلّ ) و ( صلّ للقبلة ) فهنا زوال الشمس خارج عن اختيار المكلّف ، فلا بدّ أن يكون من قيود التكليف كما تقدّم في محلّه ، حتّى وإن كان موضوعا.
فهنا يكون الشكّ في الزوال شكّا في فعليّة التكليف كما ذكر الميرزا ، ومثله ( صلّ للقبلة ) ؛ لأنّ القبلة وإن كانت موضوعا لكنّها ليست تحت اختيار المكلّف ، فيكون المعنى أنّ الصلاة واجبة للجهة التي توجد فيها القبلة أي إذا كانت هذه الجهة قبلة فصلّ فيها.
وأمّا إذا كان الموضوع من الأمور الاختياريّة للمكلّف فهنا ليس من الضروري أخذها قيدا في التكليف ، بل قد تؤخذ قيدا في التكليف كما في الاستطاعة بالنسبة للحجّ ، فإنّها من الأمور الاختياريّة لكنّها مأخوذة قيدا لوجوب الحجّ ، والغاية أنّ الحجّ ليس فعليّا ليكون مطالبا بتحصيل الاستطاعة ، وإنّما يكون الحجّ فعليّا على تقدير حصولها فإن حصلت تحقّقت الفعليّة وإن لم تحصل لم تتحقّق.
وقد لا تكون مأخوذة قيدا في التكليف كما في ( لا تشرب الخمر ) فإنّ الخمر يمكن ألاّ يكون مأخوذا من قيود التكليف ، والغاية من ذلك أن تكون الحرمة فعليّة على تقدير تحقّق الخمريّة سواء تحقّق الخمر في الخارج أم لا ، فالحرمة فعليّة ، وتكون فائدته في النهي عن إيجاده وصنعه أيضا إذا كان ذلك مستلزما لشربه ؛ لأنّه يكون مقدّمة للوقوع في الحرمة الفعليّة.
وحينئذ فالشكّ في كون المائع الموجود في الخارج خمرا أو لا ، لا يعني الشكّ في فعليّة التكليف ؛ لأنّ المفروض أنّه ليس دخيلا في قيود التكليف ، بل التكليف فعلي حتّى قبل وجود الخمر في الخارج ، إلا أنّه مع ذلك يكون الشكّ المذكور موردا للبراءة