وأمّا في النحو الثاني من الحكومة وهو الحكومة الواقعيّة فيحكم بالإجزاء ؛ لأنّ ترتّب الآثار لم يكن مشروطا ببقاء عنوان الشكّ ، كما في مثل : « الطواف في البيت صلاة » أو « لا ربا بين الوالد وولده » ، فإنّه لم يؤخذ في لسانه عنوان الشكّ في شرطيّة الطهارة للطواف أو عنوان الشكّ في الربا بين الأب وابنه ، ولذلك فهو حكومة واقعيّة. ففي المثال الأوّل يوسّع دائرة الشرطيّة لتشمل الصلاة والطواف معا حقيقة وواقعا ، بينما في المثال الثاني يضيّق دائرة الربا ؛ ليخرج منها ما كان بين الأب وابنه حقيقة وواقعا أيضا.
وفي مقامنا نقول : إنّ الأصول الموضوعيّة الجارية في الشبهات الموضوعيّة والتي ادّعى صاحب ( الكفاية ) حكومتها وإجزائها وهي من نوع الحكومة الظاهريّة التي يكون فيها الدليل الحاكم في طول الدليل المحكوم ؛ وذلك لأنّه قد أخذ عنوان الشكّ في أدلّتها ، فمثلا قاعدة الطهارة تستفاد من قوله عليهالسلام : « كلّ شيء لك طاهر حتّى تعلم أنّه نجس » أو « قذر » ، وقاعدة الحلّيّة تستفاد من قوله عليهالسلام : « كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام » أو « حتّى تعرف الحرام » منه بعينه ».
ومن الواضح أخذ عنوان الشكّ وعدم العلم فيهما ، ممّا يعني أنّ حكومتهما ـ لو سلّمت ـ فهي حكومة ظاهريّة لا تفيد أكثر من ترتيب الآثار على الطهارة وعدم النجاسة أو على الحلّيّة وعدم الحرمة ما دام الشكّ موجودا وباقيا ، وأمّا مع انكشاف الخلاف فهي تكشف عن عدم ترتّب تلك الآثار من أوّل الأمر ، وهذا لازمه أنّه قد صلّى مثلا في الثوب النجس ممّا يعني أنّه لم يمتثل الحكم الواقعي ، فلا إجزاء (١).
__________________
(١) هذا كلّه فيما إذا كان مراد صاحب ( الكفاية ) هو الحكومة.
ولكن قد يقال : إنّ مراده هو الورود بدليل أنّه عرّف الحكومة بالحكومة اللفظيّة التي تستخدم فيها أدوات التفسير من قبيل : ( أعني وأي وأقصد ومرادي ) ... إلى آخره ، فعلى هذا يكون الدليل الوارد موسّعا حقيقة وواقعا للدليل المورود عليه ـ كما سيأتي في بحث التعارض ـ ، وحيث لا يشترط في الدليل الوارد النظر إلى الدليل المورود فيصحّ ترتيب الآثار الواقعيّة من دون توقّف على عنوان الشكّ.
إلا أنّه مع ذلك لا يمكن أن يستفاد من أدلة الطهارة أو الحلّيّة الورود ؛ لأنّ لسانها ظاهر في التنزيل والحكومة الظاهريّة.