فلا بدّ أن يكون هذا القصد من جهة الوجوب النفسي وهذا يفترض النظر إلى متعلّقه ، وهل أنّه يكفي فيه امتثال الفعل فقط أو هو مع قصد القربة؟ فعلى الأوّل يمتنع قصد القربة للزوم الخلف وعلى الثاني يتعيّن ؛ لأنّ الامتثال موقوف عليه.
ومن هنا نقول : إنّ الوضوء والغسل والتيمّم حيث إنّها مقدّمات للصلاة الواجبة فهي غيريّة لا يشترط فيها قصد القربة ، ولكن لمّا دلّ الدليل الخاصّ على اشتراط ذلك وعلى ترتّب الثواب عليها ، كشف هذا عن كون الواجب النفسي متوقّفا لا على ذات المقدّمة ، بل على المقدّمة مع قصد القربة ، وأنّ هذا القصد جزء دخيل في المقدّمة يعرض عليه الوجوب الغيري وليس خارجا عن المقدّمة ليكون منضمّا إليها.
فإن قيل : أليس قصد القربة معناه التحرّك عن محرّك مولوي لإيجاد الفعل؟ وقد فرضنا أنّ الأمر الغيري لا يصلح للتحريك المولوي ـ كما نصّت عليه الحالة الأولى من الحالات الأربع المتقدّمة للوجوب الغيري ـ فما هو المحرّك المولوي نحو المقدّمة؟
كان الجواب : أنّ المحرّك المولوي نحوها هو الوجوب النفسي المتعلّق بذيها ، وهذا التحريك يتمثّل في قصد التوصّل ، هذا إضافة إلى إمكان افتراض وجود أمر نفسي متعلّق بالمقدّمة أحيانا ، بقطع النظر عن مقدّميّتها كما هو الحال في الوضوء على القول باستحبابه النفسي.
إشكال وجوابه : أمّا الإشكال فهو أنّ قصد القربة يتوقّف على أن يكون الإتيان بالفعل بقصد امتثال أمره الشرعي ، بحيث يتحرّك العبد بهذا القصد من أجل امتثال أمر المولى ، وهذا يفترض أن يكون هناك أمر هو الذي حرّك المكلّف ، وحينئذ نسأل عن هذا الأمر والمحرّك ما هو؟
فإن كان هو الأمر الغيري فهو باطل ؛ لأنّه تقدّم في الخصوصيّة الأولى من خصائص الوجوب الغيري أنّه لا يصلح للتحريك ولا للداعويّة ولا للقربيّة ؛ لأنّه متعلّق بالمقدّمة ذاتها بحيث كان ملاكها هو كونها ممّا يتوقّف عليه الواجب ، وهذا الملاك يكفي في تحقيقه إيجاد واقع المقدّمة من دون أي شيء زائد عليها.
وإن كان هو الوجوب النفسي فهو لا يدعو ولا يحرّك إلا نحو إيجاد متعلّقه لا أكثر.
وبهذا يتبيّن أنّه لا يوجد محرّك مولوي ليكون هو الذي يتقرّب به بفعل المقدّمة.