ولم يمضِ زمان طويل على تلك الجريمة ، إلاّ وقد جاء يوم الحساب الدنيوي الذي أنزل فيه المختار الثقفي العقاب العادل بأولئك المجرمين ، أو عجّل في سوقهم إلى الجحيم.
وكنت عبر السنين أتخيل ذلك القاضي ، والمنفِّذ لعدالة السماء كيفما شاء لي الخيال. وكان بوسعي أيضا أن أستشعر عظمة الضمير عند الذين شاركوه وجاهدوا معه في إنزال القصاص.
ومن المؤكَّد أنني كنت أراه عملاقا متطاولاً ، لا يقارعه أحدٌ في قوته.
عاش فيّ ، وعاش معي الحب أعواما حتى آتاني اللّه ملكة الكتابة عن الرمز ، ومكّنني أعبّر عن تقديري لما أدّاه من عمل عظيم يستحق بجدارة أن يبحث بأكثر من كتاب.
ومن هنا جاء هذا البحث الذي يعلم اللّه كم بذلت لأجله من جهد صادق ، حتى خرج إلى النور على ما هو عليه بين يدي القارئ الكريم.
إن كتب التاريخ والسير لم تعطِ هذا الرجل حقه من الذكر ، إذ لم أجد من خلال تتبّعي لسيرته إلاّ القليل. فحاولت أن أخرج بشيء أضيفه إلى المكتبة الإسلامية التي افتقرت إلى مثله ، حيث لم أعثر رغم بحثي على أي مرجع يتناول حياة وسيرة ذلك الرجل الذي أعاد البسمة للعيون والشفاه بعد غياب طويل ، باستثناء كتاب واحد بعنوان «المختار الثقفي مرآة العصر الأموي» ، لمؤلفه الدكتور علي حسين الخربوطلي ، وهكذا أراني الآن أشعر بالسعادة والرضى ، وأنا أضع بين يدي القرّاء ، سيرة المختار وهو يخطو خلال خضم الأحداث منذ مولده حتى استشهاده رحمهالله وأرضاه.
وكم أتمنى أن أكون قد وفّقت في ذلك ولو قليلاً ، عسى أن أحظى بهذا القليل رضاء اللّه عزّوجلّ وشفاعة نبيه الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته الطاهرين عليهمالسلام.