وعلى كلّ حال فقد قيل باختيار الظن المانع مطلقا ، من جهة انّ خروج الظن الممنوع بناء عليه يكون من باب التخصيص حيث انّ الظن المانع يدلّ على عدم حجيته فيكون الممنوع حينئذ ممّا قام على عدم اعتباره دليل. وأمّا لو عمل بالظن الممنوع فيكون خروج الظن المانع حينئذ من باب التخصيص لعدم دلالة الظن الممنوع على عدم اعتبار الظن المانع وان كان ملازما له فيكون خروجه تخصيصا بلا وجه. ونظير ذلك كما في الاستصحاب السببي والمسببي.
ولكنه يرد عليه : بأنّ ما ذكر من الدوران بين التخصيص والتخصص وترجيح الثاني على الأول إنّما يصح فيما إذا كانت المسألة لفظية حيث انّ المتعين حينئذ ترجيح ما لا يلزم منه التصرف في اللفظ ، لا فيما إذا كانت المسألة عقلية كما في المقام فانّ الحاكم فيها هو العقل لا الاستحسانات المعمولة في الاستنباط من اللفظ.
كما انّ ترجيح الظن المانع بما ذكره الشيخ قدسسره (١) من انّ القطع بحجية الظن المانع عين القطع بعدم حجية الظن الممنوع دون القطع بحجية الظن الممنوع فانّه يستلزم القطع بعدم حجية الظن المانع لا انّه عينه ، راجع إلى الترجيح اللفظي أيضا بأنّ العينية غير موجب للتصرف في اللفظ ، دون الاستلزام فانّه موجب له فلا يناط به حكم العقل.
بل التحقيق : أن يقال : ـ بعد ملاحظة لزوم كون نتيجة مقدمات الانسداد قطعية وقبول حكم العقل بحجية الظن المطلق حال الانسداد للمنع ـ انّه :
ان كان ما لا يحتمل فيه المنع من الظنون بقدر الكفاية في الفقه فاللازم الاقتصار عليه ، دون التعدي إلى ما يحتمله ظنا أو شكا أو وهما ، حيث انّه بعد كون الأصل في الظنون حرمة العمل بها لا يتنزل إلى الأخذ بها إلاّ إذا قطع بحجيتها وهو
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٥٣٣.