للمضعّف الكمّي والمضعّف الكيفي ، الذي يتأثّر بالظروف والأحوال والعوامل الموضوعيّة والذاتيّة ، فليس ثبوت القضيّة مترتّبا على ذات التواتر فضلا عن الإجماع ، بل يرتبط ذلك بكثير من الظروف والأحوال إذا وجدت ثبتت القضيّة وإلا فلا تثبت.
وهذا لا ينفي أنّنا نعلم بالقضيّة القائلة : ( كلّ قضيّة ثبت تواترها فهي ثابتة ) ؛ لأنّ العلم بأنّ المحمول لا ينفكّ عن الموضوع غير العلم بأنّه لا يمكن أن ينفكّ عنه ، والتلازم يعني الثاني ، وما نعلمه هو الأوّل على أساس تراكم القيم الاحتماليّة وزوال الاحتمال المخالف لضآلته ، لا لقيام برهان على امتناع محتمله عقلا.
فإن قيل : إنّنا نعلم بالقضية القائلة : ( كل قضيّة ثبت تواترها فهي ثابتة ) ، فكيف يقال : إنّه لا ملازمة بين التواتر وبين ثبوت القضيّة؟!
كان الجواب : إنّ إنكار الملازمة العقلية بين التواتر أو الإجماع وبين ثبوت القضيّة لا يعني إنكار ونفي هذه القضيّة ، بل إنّ هذه القضيّة صادقة وصحيحة ، ولا تعارض ولا تنافي بين إنكار الملازمة العقلية وبين الإيمان بهذه القضيّة.
والوجه في ذلك هو : أنّ العلم بأنّ ( كل قضيّة ثبت تواترها فهي ثابتة ) معناه إذا تحقّق التواتر أو الإجماع على شيء كان ذلك الشيء ثابتا واقعا ، فنحن نعلم بثبوت القضيّة إذا تحقّق التواتر أو الإجماع ، أي أنّنا نعلم بتحقق المحمول إذا تحقّق الموضوع بحيث إذا وجد الموضوع وجد المحمول ولا ينفك المحمول عنه ، إلا أنّ هذا العلم أي ( أنّ المحمول لا ينفك عن الموضوع ) ليس معناه أنّه يستحيل الانفكاك عقلا ، فهناك فرق بين أمرين هما الإمكان الوقوعي والإمكان الذاتي.
وتوضيح ذلك : أنّ العلم بأنّ المحمول لا ينفك عن الموضوع معناه أنّ المحمول ثابت وصادق ، وهذا قد يصدق مع استحالة الانفكاك عقلا كالنار والحرارة ، وقد يصدق من دون استحالة الانفكاك كما في العرض اللازم كالضاحك الذي هو وصف للإنسان فإنّه لا ينفك إلا أنّه لا يعني عدم إمكان الانفكاك عقلا ، لأنّ الإنسان لا يتوقّف على الضاحك وليس من ذاتياته ، بل يكفي كونه حيوانا ناطقا بخلاف النار والحرارة فإنّ الحرارة ، من ذاتيات النار لا تنفك عنها عقلا.
فإذا قلنا : إنّه لا ينفك فهذا معناه نفي الإمكان الوقوعي للانفكاك لا الذاتي.
وفي مقامنا عند ما نعلم بأنّ صدق القضيّة لا ينفك عن التواتر أو الإجماع ليس