شمول الحكم للعالم والجاهل
وأحكام الشريعة ـ تكليفيّة ووضعيّة ـ تشمل في الغالب العالم بالحكم والجاهل على السواء ، ولا تختصّ بالعالم. وقد ادّعي أنّ الأخبار الدالّة على ذلك مستفيضة (١) ، ويكفي دليلا على ذلك إطلاقات أدلّة تلك الأحكام ، ولهذا أصبحت قاعدة اشتراك الحكم الشرعي بين العالم والجاهل موردا للقبول على وجه العموم بين أصحابنا ، إلا إذا دلّ دليل خاصّ على خلاف ذلك في مورد.
الأحكام الشرعيّة سواء كانت تكليفيّة كالأحكام الخمسة ، أو كانت وضعيّة كالصحّة والفساد والجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة والسببيّة والطهارة والنجاسة ـ على قول ـ لا تختصّ بالعالم بها ، وإنّما هي مجعولة من قبل الشارع لكلّ الناس سواء في ذلك العالم بها والجاهل ؛ غاية الأمر أنّه لا منجزيّة على الجاهل إذا كان جهله عن قصور لا عن تقصير وتفريط منه ، وهذا الحكم بالاشتراك موجود في غالب الأحكام الشرعيّة لا في جميعها.
ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري قد ادّعى كون الأخبار الدالّة على هذه القاعدة أي اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل مستفيضة ، وغيره ادّعى تواترها ، إلا أنّه في الحقيقة لا يوجد ما يدلّ على ذلك سوى بعض أخبار الآحاد ، فدعوى التواتر أو الاستفاضة غير تامّة.
__________________
(١) بل قد ادّعى الشيخ الأنصاري في فرائده ١ : ١١٣ أنّها متواترة. والظاهر أنّ المقصود بها أخبار الاحتياط الوارد جلّها في كتاب الوسائل الجزء ٢٧ الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، وذلك بدعوى أنّ هذه الأخبار لو لم تتمّ دلالتها على وجوب الاحتياط عند الشكّ ، فلا أقلّ من دلالتها على شمول الحكم الواقعي للإنسان الشاكّ ، وإن كان محكوما بالبراءة ظاهرا.