وظاهر كلام صاحب ( الكفاية ) (١) رحمهالله أنّ كلا الوجهين ممكن من الناحية النظريّة ؛ لأنّ أداة العموم إذا كانت موضوعة لاستيعاب ما يراد من المدخول تعيّن الوجه الأوّل ؛ لأنّ المراد بالمدخول لا يعرف حينئذ من ناحية الأداة ، بل من قرينة الحكمة. وإذا كانت موضوعة لاستيعاب تمام ما يصلح المدخول للانطباق عليه تعيّن الوجه الثاني ؛ لأن مفاد المدخول صالح ذاتا للانطباق على تمام الأفراد ، فيتمّ تطبيقه عليها فعلا بتوسّط الأداة مباشرة ، وقد استظهر ـ بحقّ ـ الوجه الثاني.
ذكر صاحب ( الكفاية ) أنّ كلا الوجهين المذكورين من احتياج أدوات العموم إلى قرينة الحكمة وعدم احتياجها إليها ممكن ثبوتا من الناحية النظريّة والتحليل العقلي ؛ وذلك على أساس وجود احتمالين في تفسير المعنى الموضوع له في أدوات العموم. فهنا وجهان :
الأوّل : أن تكون أدوات العموم موضوعة لغة لاستيعاب ما يراد من المدخول ، فهنا يتعيّن الوجه الأوّل من كون الأدوات تحتاج إلى الإطلاق وقرينة الحكمة ؛ وذلك لأنّ المراد مفاد للدلالة التصديقيّة الثانية ، أي الإرادة الجديّة والتي تعتمد على ظهور حال المتكلّم في أنّه في مقام البيان والتفهيم لتمام موضوع الحكم واقعا وثبوتا.
فهنا لا بدّ من تحديد المراد من المفهوم أوّلا وأنّه الطبيعة بما هي هي أو الطبيعة المقيّدة ، فبعد إجراء الإطلاق وقرينة الحكمة يثبت أنّ المدخول للأداة هو ذات الطبيعة والماهيّة مجرّدة عن أي قيد ، فيثبت أنّ الأداة قد استوعبت كلّ الأفراد لهذه الطبيعة والماهيّة التي لم يؤخذ فيها قيد.
والحاجة إلى قرينة الحكمة على هذا الاحتمال واضحة ؛ إذ قد يكون المدخول مقيّدا وقد يكون مطلقا ؛ لأن وضع الأداة في كلتا الصورتين واحد وهو استيعاب ما يراد من المدخول ، فقد يراد الأفراد لهذا المفهوم المقيّد أو لذاك المفهوم المطلق ، فتحديد المراد لا بدّ أن يتمّ في مرحلة لاحقة عن أداة العموم ؛ ليعرف ما المراد من المدخول الذي أريد استيعاب تمام أفراده.
وهذا الوجه ذهب إليه المحقّق النائيني وجماعة.
الثاني : أن تكون أدوات العموم موضوعة لغة لاستيعاب تمام ما يصلح المدخول
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٥٤.