فتحصّل من ذلك : أنّ الحرف يوجد الربط الكلامي بينما ( بعت ) توجد التمليك بالكلام. وهذا معناه أنّ الموجد في باب الحروف هو حالة قائمة بنفس الكلام ، أي الربط والفناء بين شيئين بنفس الكلام. بينما الموجد في باب الإنشاء هو الأمر الاعتباري كالتمليك والزوجيّة المسبّبين عن الكلام.
فالإيجاديّة واحدة إلا أنّ معناها يختلف بينهما (١).
ويرد على ذلك : أنّ التمليك اعتبار تشريعي يصدر من البائع ويصدر من العقلاء ومن الشارع.
ويرد على الاتّجاه الثاني المذكور والذي يفسّر الاختلاف بين الجملتين على أساس الاختلاف في كيفيّة الدلالة لا المدلول الوضعي التصوّري ، وأنّ هذا الاختلاف مردّه الى أنّ الجملة الإنشائيّة إيجاديّة بينما الجملة الإخباريّة إخطاريّة ، وأنّ مع ذكره على فرض التسليم به فهو مختصّ في الجمل المشتركة فقط ، ومع ذلك فهو غير تامّ فيها ؛ وذلك لأنّ مثل قولك : ( بعت ) ونحوها من إنشاءات المعاملات والعقود والتي تفيد
__________________
(١) وهناك معان أخرى لإيجاديّة الجمل الإنشائيّة نذكرها باختصار جدّا :
الأوّل : أنّ اللفظ يوجد المعنى وفي طول ذلك يحصل إخطاره في الذهن ، فاللفظ يوجد المعنى خارجا والخارج يخطره في الذهن. وفي مقابله الإخطاريّة بمعنى أنّ الإخطار يتمّ بواسطة اللفظ مباشرة.
الثاني : أنّ الإنشاءات تخطر المعنى غير أنّ المتكلّم لا يقصد إلا إيجاد النسبة تنزيلا وادّعاء ، وفي مقابله الإخطاريّة بمعنى أنّ المتكلّم يقصد إيجاد النسبة حقيقة بقصد الحكاية والإخبار.
الثالث : أنّ الجملة الإنشائيّة موجدة لمعناها في مرحلة المدلول التصديقي وفي طوله ، بمعنى أنّ اللفظ يوجد المعنى تصوّرا ويكون مرادا جدّا في نفس المتكلّم ، وفي طول هذا المدلول التصديقي والمراد الجدّي ينشأ إخطار المعنى في ذهن السامع. بخلاف الجملة الإخبارية فإنّها تدلّ على إخطار المعنى في ذهن السامع مباشرة ؛ لأنّ المعنى ثابت في الخارج وهي تحكي وتكشف عنه. وهذا تامّ في المعاملات والطلب والأمر والنهي.
الرابع : الجملة الإنشائيّة توجد معناها في مرحلة المدلول التصوّري ، بمعنى أنّ النسبة الملحوظة بها تكون فانية في واقع ينظر إليه بما هو مرحلة الثبوت والوجود بنفس الكلام ، فهي توجد النسبة بنفس الكلام. بخلاف الجملة الخبريّة فإنّ النسبة في مرحلة المدلول التصوّري منظورا إليها بما هي نسبة مفروغ عنها ، أي أنّها متحقّقة في رتبة سابقة عن الكلام ويكون الكلام كاشفا وحاكيا عنها. وهذا تامّ في الجمل المشتركة بين الإنشاء والإخبار فقط.