والاستدلال الفقهي بالخصوص فهو داخل في موضوع علم الأصول.
والبحث في علم الأصول يدور حول دليليّة هذه الأدلّة وأنّها هل تصلح لأن تكون عنصرا مشتركا في عمليّة الاستدلال أو لا تصلح لذلك؟ فيبحث في الأصول حول ما إذا كانت هذه القاعدة أو ذاك الدليل له الصلاحيّة للجريان في مختلف الأبواب الفقهيّة أو ليس له ذلك. فالبحث الأصولي ينصبّ حول دليليّة هذه القواعد الأصوليّة ، فالبحث مثلا في حجيّة الظهور أو حجيّة خبر الثقة أو الملازمات العقليّة أو الأصول العمليّة ينصبّ حول إمكانيّة استنباط الحكم الشرعي منها ، وأنّها هل تصلح للدلالة على الحكم الشرعي الكلّي ويعتمد عليها في إثبات المنجّزيّة والمعذّريّة أو لا؟
وبهذا ظهر أنّ مسألة الموضوع لعلم الأصول بل لكلّ علم من المسائل الواضحة عند العقلاء ، بمعنى أنّ العقلاء بمجرّد التفاتهم إلى معنى الموضوع وما هو المقصود منه يحكمون بلزوم الموضوع لكلّ علم ، إلا أنّه مع ذلك فقد وقع التشكيك في وجود الموضوع لكلّ علم أو لعلم الأصول بخصوصه. وإلى هذا أشار السيّد الشهيد بقوله :
وعدم تمكّن بعض المحقّقين (١) من تصوير موضوع العلم على النحو الذي ذكرناه أدّى إلى التشكيك في ضرورة أن يكون لكلّ علم موضوع ، ووقع ذلك موضعا للبحث ، فاستدلّ على ضرورة وجود موضوع لكلّ علم بدليلين :
بعض الأصوليّين أنكر وجود موضوع لعلم الأصول ، وبعضهم شكّك في ضرورة وجوده ؛ وليس ذلك إلا لعدم إمكانيّة تصوير الموضوع بالنحو الذي ذكرناه من كون الموضوع هو الجامع الكلّي بين موضوعات مسائل العلم ، إلا أنّ التشكيك في الموضوع نشأ من مسألة أخرى وهي أنّهم عرّفوا الموضوع بأنّه ما يكون جامعا بين مسائل العلم. والحال أنّ مسائل العلم لا يمكن أن يوجد جامع بينها ؛ لأنّ بعضها مباين للبعض في أكثر الأحيان ؛ إمّا من جهة الموضوع ، أو المحمول ؛ فكيف يمكن تصوير مفهوم كلّي يكون جامعا بينها؟! وهذا الكلام ناظر إلى المسائل في مرحلة التدوين والتأليف ، فإنّ بعض المسائل تكون مباينة لبعضها من جهة الموضوع كالفعل والترك ، أو المحمول كالوجوب والحرمة أو الوجود والعدم وهكذا ... إلى آخره.
إلا أنّ الصحيح هو وجود موضوع لكلّ علم ؛ لأنّ الموضوع ليس معناه الجامع بين
__________________
(١) كالمحقّق العراقي في نهاية الأفكار ١ : ٩ ـ ١٢ ، والسيّد الخوئي في المحاضرات ١ : ٢٠.