لما هو مدلول الدلالة التصديقيّة الأولى ، أي لقصد إخطار المعني. وأنّ هيئة الجملة التامّة موضوعة لما هو مدلول الدلالة التصديقيّة الثانية ، وهو قصد الحكاية في الجملة الخبريّة أو الطلب ، وجعل الحكم في الجملة الانشائيّة ، وهكذا (١).
ذهب السيّد الخوئي رحمهالله إلى أنّ هيئة الجملة الناقصة موضوعة لغة للمدلول في الدلالة التصديقيّة الأولى والتي هي إخطار الحصّة الخاصّة من المعنى في ذهن السامع. فالمتكلّم يقصد من هذه الجملة الناقصة أن يخطر في ذهن السامع الحصّة الخاصّة من المفهوم ، فقوله ( زيد العالم ) أو ( علم زيد ) الغرض منه بهذا التركيب الناقص أن يخطر هذه الحصّة الخاصّة من زيد أي علمه فقط ؛ تمهيدا للحكم عليه أو للإخبار عنه.
بينما هيئة الجملة التامّة موضوعة لغة للمدلول في الدلالة التصديقيّة الثانية ، أي لأجل الحكاية أو الطلب. فقولنا : ( زيد عالم ) أو ( ضرب زيد ) الغرض منه هو الحكاية والإخبار ، فالمتكلّم قصد من هذه الهيئة إخطار ذات المعنى والمفهوم في ذهن السامع لأجل الإخبار والحكاية عنه ، وقوله : ( اضرب زيدا ) أو ( لا تسرق ) الغرض هو الطلب وجعل الحكم كالوجوب أو الحرمة.
وهذا يعني أنّ الهيئة في الجملتين الناقصة والتامّة ليست موضوعة للنسبة ، وإنّما هي موضوعة للقصد ، ولكنّه قصد الإخطار في الجملة الناقصة تمهيدا للغرض عند المتكلّم ، بينما في الجملة التامّة يكون هذا القصد نفس الحكاية والإخبار والطلب وجعل الحكم. وعليه فلا يعقل أن يكون الفرق بين الجملتين في كون النسبة في إحداهما ناقصة وفي الأخرى تامّة ؛ لأنّ النسبة لا تقبل الزيادة والنقصان أو القلّة والكثرة ، بل هي إمّا أن توجد أو لا توجد.
وقد بنى ذلك على مسلكه في تفسير الوضع بالتعهّد الذي يقتضي أن تكون الدلالة الوضعيّة تصديقيّة ، والمدلول الوضعي تصديقيّا كما تقدّم (٢).
__________________
(١) أقرب ما وجدناه إلى هذا البيان في كلمات السيّد الخوئي ما جاء في هامش أجود التقريرات ١ : ٢٤ كما جاءت الإشارة إليه في هامش الصفحة ٣١ من نفس المصدر.
(٢) في الحلقة الثانية ضمن التمهيد لبحث الدليل الشرعي اللفظي ، تحت عنوان : الوضع وعلاقته بالدلالات المتقدّمة.