كلامه على الخوارج.
استفحلت حركة الزندقة في هذا العصر وتعددت مقولات الزنادقة ، فمنهم من يقول بالتناسخ وأزلية العالم أو قدم الدهر ، ومنهم من يقول بالثنوية كالمانوية والمزدكية ، ويتوسع الحكام في هذا المصطلح فيطلقونه على كل شاك أو ضال أو ملحد ، وعلى من يبطن الكفر ويظهر الايمان أو لا يتمسك بشريعة ، وقد يتهم المرء أحياناً بالزندقة بدوافع سياسية أو شخصية المراد منها تصفية الخصوم.
وممن قُتلوا على الزندقة محمد بن أبي العوجاء ، قتله العباس بن محمد أخو المنصور سنة ( ١٥٥ ه ) ، وقُتل فيها الشاعر حماد عجرد (١). وفي سنة ( ١٦١ ه ) خرج رجل يقال له المقنع (٢) بخراسان ، وكان يقول بالتناسخ ، واتبعه على ذلك خلق كثير ، وفي سنة ( ١٦٣ ه ) حوصر بعد قتال طويل في قلعة كش ، فلما أحس بالغلبة تحسّى سماً وسمّ نساءه فماتوا جميعاً (٣).
وفي سنة ( ١٦٧ ه ) ألحّ المهدي في طلب الزنادقة وقتلهم حتى قتل خلقاً كثيراً منهم صبراً بين يديه ، منهم كاتبه صالح بن أبي عبيد الله قتله مع أبيه ولم يكن أبوه زنديقاً ، وبشار بن برد الشاعر الذي وشى الوزير إلى المهدي أنه هجاه وقذفه ، وصالح بن عبد القدوس (٤).
وفي سنة ( ١٦٩ ه ) شرع الهادي في تطلب الزنادقة من الآفاق فقتل منهم طائفة كثيرة. منهم يعقوب بن الفضل الهاشمي ، اتهمه المهدي العباسي بالزندقة وحبسه ، فلما مات المهدي قتله الهادي سنة ( ١٦٩ ه ) (٥).
__________________
(١) البداية والنهاية ١٠ : ١٢١ ، وقيل : إن حماداً قتل سنة ( ١٥٨ ه ) ، وقيل : سنة (١٦١ ه ).
(٢) قال ابن خلكان : كان اسم المقنع عطاء ، وقيل : جكيم ، والأول أشهر.
(٣) البداية والنهاية ١٠ : ١٤٢ و ١٥٥.
(٤) لسان الميزان / ابن حجر ٣ : ١٧٢ / ٦٩٩.
(٥) سير أعلام النبلاء ٧ : ٤٤٣ ، الأعلام / الزركلي ٨ : ٢٠١.