غرق فيه عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الإيمان ، وشراعها التوكل ، وقيّمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكانها الصبر.
يا هشام ، لكل شيء دليل ، ودليل العاقل التفكر ، ودليل التفكر الصمت ، ولكل شيء مطية ، ومطية العاقل التواضع ، وكفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه.
يا هشام ، إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام صبره.
يا هشام ، إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة ، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة ومطلوبة ، والآخرة طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه ، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة ، فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته.
يا هشام ، إن كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلاّ من يعرف مجاريها ومنازلها ، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم إلاّ من عمل بها.
يا هشام ، بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري أخاه إذا شاهده ، ويأكله إذا غاب عنه ، إن أعطى حسده ، وإن ابتلى خذله.
إن أسرع الخير ثواباً البر ، وأسرع الشر عقوبة البغي ، وإن شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه ، وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم ، ومن حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه.
يا هشام ، لا يكون الرجل مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً ، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو.
يا هشام ، مثل الدنيا مثل ماء البحر ، كلما شرب
منه العطشان ازداد