بين الخطابين ، إلاّ انّ مثل هذا الظهور في الوحدة لا يمكن احرازه عادة ، ولا هو ظاهر الخطابات ، فإنّها تكشف عن الحكم بمعنى المجعولات الشرعية وحدودها وقيودها الذهنية ، لا الصور الذهنية أو الصياغات الانشائية لها ، ولو فرض احراز ذلك وقع التعارض بين الخطابين من هذه الناحية ، ولا يمكن حمل المطلق على المقيّد ؛ لأنّ هذا الحمل من باب التقييد ، أي اضافة قيد في التكليف المطلق بحيث يكون بيان الحكم بنحو تعدد الدال والمدلول الذي دلّ على ايجاب أصل الطبيعة المهملة بالمطلق وعلى قيده بالمقيّد ، وهذا يكون بلحاظ المجعول الذي يكون نسبة المطلق إلى المقيد فيه نسبة الأقل والأكثر ، أمّا التكاذب في الجعل بمعنى الانشاء أو الصياغة الكلية ، فالنسبة بين الصياغتين التباين لا أقل وأكثر ، فهذا التكاذب والتنافي من موارد التباين لا المطلق والمقيّد.
والمستخلص ممّا تقدّم انّ الأمر بالمقيد الشمولي بلحاظ الموضوع يدل على وجوب اكرام كل عالم فقيه وهي أحكام عديدة بعدد الأفراد ، والأمر بالمطلق الشمولي أيضاً يدل على وجوب اكرام كل عالم كذلك وهذان في العالم الفقيه لا محالة يكشفان عن ارادة واحدة لا أكثر ، وليس في ذلك مخالفة لشيء من ظهوري الدليلين ؛ لأنّ كلاًّ منهما يمكن أن يبرزا في الفقيه تلك الارادة الواحدة فيكون من تعدد الابراز وتكون الفقاهة كالعالمية دخيلة أيضاً في موضوع الحكم المبرز وهو ارادة اكرامه دون محذور ، وقيد الفقيه قيد للموضوع الشمولي لا للمتعلق البدلي ليتصور تعدد الجعل فيه تارة ووحدته.
نعم ، فيه دلالة على الاحترازية بلحاظ الموضوع ، أي انّ العالم غير الفقيه ليس مطلقاً يجب اكرامه أيضاً وإلاّ كان تقييد الموضوع للوجوب بالفقيه لغواً فالتعارض بينهما بلحاظ هذه الدلالة لا محالة ، وقد عرفت حكمه.