عليه ، أخذ يبحث عن هذا الخالق وهذا المنهج.
والحق أن الإنسان عاش في دوامة كبيرة في ذلك البحث ، والتنقيب ، فقسم من الناس هداه عقله النيّر ، وفطرته السليمة فتوصل إلى الواقع ، ولكن الكثير ضلوا طريق الهداية ، وساروا بشكل متخبط في متاهات بعيدة ، وهم على قناعة في قرارة أنفسهم أنهم تائهون ضالون لم يصلوا إلى الواقع الذي يبحثون عنه ، فعبدوا الاصنام والكواكب والمظاهر الكونية وغيرها ، وكثر الفساد في الأرض ، وسالتْ الدماء ، واستُعبد الأحرار ، وانتهكت الأعراض.
كل ذلك كان في حياة البشر ، وتاريخ البشرية زاخر بألوان كثيرة من ذلك الواقع المؤلم ، ولا زالت الآثار تعطي صورة ولو مجملة عن فصول تلك المسرحية المأساوية ، بل ان واقعنا المعاصر خير دليل على همجية الإنسان المنفصل عن الله تعالى ودينه القيم.
من أجل ذلك كله ـ وغيره ـ كان لازماً على ذلك الخالق أن يبعث لهذا الإنسان من يأخذ بيده نحو طريق النجاة والسلام ، ويُعرّفه مطلوبه وهدفه الّذي يبحث عنه ، ويبرمج له حياته بكل أبعادها ، ويؤمّن له طريق الوصول إليه سبحانه ، فكان الأنبياء والرسل هم سفراء الخالق للإنسان الظلوم الجهول ، ولم يترك الله سبحانه اُمّةً إلاّ وبعث فيها نبياً أو رسولاً لهداية الناس إلى صراطه المستقيم ، قال تعالى : ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ) (١).
وقد بلغ عدد الأنبياء مع نبينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ الّذي هو خاتمهم وسيدهم ـ مائة وأربعة وعشرين ألف نبي ورسول ، إضافة إلى الكتب الأربعة ، الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن ، وعشرات الصحف والتعليمات ، وكان جميع هؤلاء الأنبياء يدعون إلى دين واحد ، وعقيدة واحدة ، وهي : « لا إله إلاّ الله » ، فهو التوحيد الّذي من
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٥ / ٢٤.