ولكن هل كان رسول الله صلىاللهعليهوآله نفسه يستفيد من هذه المشاورة؟ وينتفع بآرائهم ونظرياتهم ، ومقترحاتهم ، أم لا؟.
لقد أجاب علماء العقيدة ورواد علم الكلام الاسلامي من مختلف الطوائف على هذا السؤال في مؤلفاتهم ودراساتهم ، وللقارئ الكريم إذا أراد الوقوف على الجواب أن يراجع تلكم المصنفات.
لكن الذي لا يمكن انكاره في المقام هو : أن هذه المشاورات سيرة حية تركها رسول الله صلىاللهعليهوآله من بعده ، ولقد كانت هذه السيرة مؤثرة جدا بحيث استخدم الخلفاء والأمراء من بعده من اسلوب التشاور والشورى ، وكانوا يستفيدون على هذا الاساس من آراء الامام علي عليهالسلام ونظرياته السامية في الامور العسكرية ، والمشكلات الاجتماعية التي كانت تطرأ على حياة المسلمين.
المشاورات العسكرية :
لما سمع رسول الله صلىاللهعليهوآله باقتراب قريش الى المدينة وقف في تلك الشورى التي كانت جمعا كبيرا من صناديد أصحابه ، وقادة جيشه وجنوده وقال بصوت عال : « أشيروا عليّ » (١).
وهو يطلب بذلك من اولئك الجنود والقادة أن يدلوا بآرائهم في كيفية مواجهة العدو ، وطريقة الدفاع عن حوزة الاسلام وصرح التوحيد المهددة من قبل قريش والمتحالفين معهم من أحزاب الشرك ، وأتباع الوثنية.
فقام « عبد الله بن ابي بن سلول » وكان من منافقي المدينة ، وطرح فكرة التحصّن في داخل المدينة ، والقتال فيها على غرار حرب الشوارع. وذلك بأن لا يخرج المسلمون من المدينة بل يبقوا داخلها ، ويستخدموا أبراجها وسطوحها لمقاتلة العدوّ ودفعه فترمي النساء العدوّ بالأحجار من السطوح ، ويقاتل الرجال أفراده في الشوارع والأزقة قائلا : يا رسول الله كنا نقاتل في الجاهلية فيها ، ونجعل النساء
__________________
(١) راجع الخطبة ١٣٤ من نهج البلاغة.