وإذا حصروه في حال التبليغ والفتيا ، نقول لهم : إنّ العلماء كافة قد اطلقوا وقالوا : ( إنّ النبي بشرٌ مثلنا ، له ما لنا ، وعليه ما علينا ، وهو مكلّف من الله تعالىٰ بما كلّف به الناس ، إلاّ ما قام الدليل الخاصّ علىٰ اختصاصه ببعض الأحكام : إمّا من جهة شخصه بذاته ، وإما من جهة منصب الولاية ، فما لم يخرجه الدليل فهو كسائر الناس في التكليف. هذا مقتضىٰ عموم اشتراكه معنا في التكليف. فإذا أصدر منه فعل ولم يعلم اختصاصه به ، فالظاهر في فعله أن حكمه فيه حكم سائر الناس. فيكون فعله حجّة علينا وحجّة لنا ، لا سيما مع ما دلّ علىٰ عموم حسن التأسيّ به ) (١) ، فلا مجال للتقييد هذا أولاً.
وثانيا : أنّىٰ لنا تمييز الفعل والقول والاقرار منه ، بحيث نعلم أنّ هذا تبليغ أو فتيا وأنّ هذا ليس كذلك ؟! أي كيف يتمّ لنا تمييز ما هو تبليغ وفتيا عمّا هو فعل شخصي ؟!
ولو قال قائل : إنّ عليه التنبيه ، فعلىٰ المعصوم أن يقول : إنّ هذا الفعل فعل تبليغ ، وإنّ هذا الفعل ليس كذلك. عليه أن يقول : إنّ هذا القول تبليغ ، وإنّ هذا القول ليس تبليغاً ولا فتيا. عليه أن يبين أنّ هذا الاقرار تبليغ أو فتيا أو ليس كذلك. وهكذا يملأ المعصوم حياته من قول : إنّ هذا
__________________
(١) اُصول الفقه / الشيخ محمدرضا المظفر ٢ : ٦٧.