من هنا جاءت
الهجرة النبويّة المباركة إلى المدينة المنوّرة ، ليبدأ فصل جديد من الدعوة
والكفاح عبر أمرّ المراحل وأصعب الظروف ، فكان غياب الرسول القسريّ عن مكّة
المكرّمة ومجتمعها الذي أبى أن يسجد لله إلاّ تحت بارقة السيوف وفي ظروف الانكسار
، وذلك ما تجلّى في فتح مكّة المكرّمة.
لكنّ النفوس
اللئيمة ظلّت تحوك المؤامرات ـ بعد أن عجزت عن المواجهة ـ ودأبت على التخطيط
للمرحلة القادمة ؛ وهي مرحلة ما بعد غياب النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، فعقدت صحائف
الغدر ، ونكثت العهود والمواثيق التي جادت بها مراوغة وزورا واحتيالا.
فما إن مضى النبيّ
محمّد صلىاللهعليهوآله إلى ربّه حتّى أمسكت عصائب الغدر بأزمّة الأمور ، عاضة بنواجذها عليها ،
منقلبة على أعقابها ، كما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز حيث يقول : ( وَما
مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ
قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) ، فعقدت فلتة السقيفة ، وأبعدت عليّا عليهالسلام عن واجهة الأمور
، واغتصبت فدك فاطمة عليهاالسلام ، وخمس الآل ، وأحرقت بيت النبوّة والرسالة ، وجرت أمير
المؤمنين عليهالسلام مرموما ليبايع ضئيل تيم وو و ... فما كان بيت النبوّة إلاّ معقل الهموم ، وما
كانت الزهراء إلاّ بيت الأحزان.
وغاب القائد عن
دوره القيادي الريادي في ظلّ الحكم التيمي ، وما أعقبه من الحكم العدوي ، وما
ثلّثوا به من الحكم الأموي. حتّى إذا كبت به بطنته ، وأجهز عليه عمله ، هرع
المسلمون ليصححوا ما فرّطوا به ، باحثين عن المجد الإسلامي الضائع ، فكان دور
الظهور العلوي وإعادة المسير النبوي ، لكن وقفت في وجه تلك المسيرة المباركة أغربة
العصبيّة القبلية ، والتمييز الطبقي ، والمدّ القرشي مرّة أخرى ، فكان صدر عليّ عليهالسلام وبئر الهموم
والأسرار.