المتعارف عليه بين المناطقة والفلاسفة ، وإليک هذه المجموعة من الآيات الدالة عليه :
قال تعالى : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ، (١) وقوله أيضاً : ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٢) وقال أيضاً : ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) ، (٣) وقوله تعالى : ( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ) ، (٤) وغيرها من آيات الذکر الحکيم في بيان القسط والأمر به.
وقد يعترض المعترض فيقول : لو سلمنا بوجود محکمة داخلية لکل شخص منا ، فلا حاجة لوجوب وجود محکمة ثانية في عالم آخر مجهولة الکنه لنا ، فإذا کان الغرض من وجوب وجود المحکمة الأخروية هو الحساب والعقاب ، والحال هو حاصل بوجود المحکمة الداخلية التي نعبر عنها بالفطرة السليمة ، أو الوجدان الأخلاقي ، أو بتعبير القرآن الکريم النفس اللوامة ، فجعها من قبل الباري عزَّ وجل يکفي في تحقيق الغرض ، وهو إجراء وإقامة المحکمة لکل شخص ، بالشکل الذي لا يتنافي فعلها مع اختيار الإنسان وإرادته.
نقول : هذا صحيح ولا شک فيه ، ولکن الکلام ليس في وجودها وعدم وجودها ، وإنما الکلام في قوة هذه المحکمة وضعفها ، فإنها تصل إلى وضع يتساوي فيه وجودها وعدمه ، بحيث لا تنهى عن فعل ولا تأمر بشيء ؛ لأن هذا الأمر الفطري قابل للشدة والضعف ، فيختلف باختلاف الأشخاص ، حتى تصبح عند بعضهم نتيجة اقتراف الذنوب والمعاصي کأنها غير موجودة ، فلذا احتاج مثل هؤلاء الأشخاص وغيرهم إلى قيام محکمة کبرى يحضر فيها الجميع ، فيثاب فيها المطيع ويعاقب فيها العاصي ، وهي من مقتضى عدله تعالى ، إذ أن المؤمن قد يعيش في هذه الدنيا طريداً
ــــــــــــــــ
١. ص ، ٢٨.
٢. الجاثية ، ٢١ ، ٢٢.
٣. فصلت ، ٤٦.
٤. الأعراف ، ٢٩.