وهكذا نجد أنّ العقيدة قد عملت على قشع
غيوم العصبية السوداء من القلوب ، وقامت بتشكيل هوية اجتماعية جديدة للناس تقوم
على الإيمان باللّه ورسوله ، وإشاعت مشاعر الحب والرّحمة بدلاً من مشاعر التعصّب
والكراهية ، فالعصبية التي تعني : « مناصرة المرء قومه ، أو أسرته ، أو وطنه ، فيما
يخالف الشرع ، وينافي الحق والعدل. وهي : من أخطر النزعات وأفتكها في تسيّب
المسلمين ، وتفريق شملهم ، وإضعاف طاقاتهم ، الروحية والمادية ، وقد حاربها
الإسلام ، وحذّر المسلمين من شرورها » .
ولعل من أبرز مظاهر التغيير الاجتماعي ،
الذي صنعته العقيدة أنّ هناك أفرادا كانوا في أسفل السلَّم الاجتماعي في فترة ما
قبل الإسلام ، فإذا هم بعد إشراق شمس الإسلام ، يتصدرون قمة الهرم الاجتماعي ، فبلال
الحبشي رضياللهعنه يصبح مؤذن
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وسلمان
الفارسي رضياللهعنه هو رجل من
بلاد فارس ، تنقّل من رقّ إلى رقّ ، أصبح في عصر الإسلام صحابيا جليلاً ، وحاكما
عاما على بلاد كبيرة ، وفوق كل ذلك غدا من أهل البيت عليهمالسلام
، سأل رجلٌ عليا عليهالسلام
: يا أمير المؤمنين أخبرني عن سلمان الفارسي قال عليهالسلام
: « بخٍ بخء
سلمان منّا أهل البيت ، ومن لكم بمثل لقمان الحكيم .. »
.
وكان زيد بن حارثة وابنه أُسامة ممن
ينبغي ـ وفق التقسيم الجاهلي ـ أن يكونا في طبقة العبيد ، فإذا بهما يقودان جيوش
المسلمين في اثنتين من أكبر الحملات الإسلامية عدّة وعددا.
__________________