وقد أمر المأمون ان تكتب بالذهب ، ولذلك سميت بالذهبية أو المذهبة ولم يكن للخليفة عنها غنى برجال الفن المتصلين به نظراء ـ حنا بن ماسويه وجبرائيل ابن بختشوع وصالح بن سلهمه الهندي وغيرهم من أطباء البلاط العباسي (١).
أما الإمام الصادق «ع» فقد كان عصره عصر ابتداء النهضة العلمية في الجزيرة حيث اتجهت الانظار نحو طلب العلوم وأقبل الناس على اكتساب المعارف وكان الوقت ملائماً والظروف مساعدة له على بث مالديه من تلكم الكنوز القرآنية الموروثة. لذلك فقد ظهر من أقواله الحكيمة وآرائه الطيبة الصائبة وأحاديثه العلمية والدينية الصحيحة ما طبق الارجاء وأنار القلوب المظلمة وهدى النفوس التائهة ، حتى قصده القاصي والداني بين مستشف بارشاداته القيمة وبين مغترف من منهله العلمي العذب النمير.
ولأجل ذلك فقد روت عنه الرواة ، وكتبت عنه الكتب والرسائل. وتخرج عليه طائفة من العلماء والحكماء وجمهرة من جهابذة الدين وكثير من أكابر الحفاظ والمحدثين ، حتى أصبح قوله «ع» فصل الخطاب. فاذا قيل قال الصادق وقفت العلماء دون قوله واجمين ، وبما ورد عنه معترفين وله خاضعين.
وها نحن الآن نقدم اليك ما يخص موضوعنا هذا مما ورد عنه «ع» في علم الطب خاصة ، بيد أن طلبنا للاختصار في هذه الرسالة جعلنا نكتفي بالنزر القليل من وافر علمه وجزيل فضله لعدم إمكان الإحاطة الكاملة في هذا المختصر كما أن من المستحسن أيضاً قبل الشروع في البحث أن نذكر للقارئ الكريم ما يلزم ذكره ههنا لكي لا يغفل طالب الحقيقة فيزل أو يغتر بأقوال بعض ذوي الأغراض الخسيسة فيظن ، أن الإمام أبا عبدالله الصادق «ع» أخذ هذه العلوم عمن ورد الجزيرة من علماء الأجانب فلاسفة وأطباء وغيرهم ، إذ من البديهي المسلم كما سنثبته لك أن معرفته «ع» لم تكن إلا قبساً من أشعة علم النبي صلى الله عليه
__________________
(١) وقد شرح هذا الكتاب وعلق عليه وحققه الدكتور صاحب زيني النجفي باسم طب الرضا في سلسلة ( ملتقى العصرين ) الصادرة في الكاظمية.