المجرّدات ، كيف وقد جعل هذا القائل الأمر بالتأمّل في السرّ وغيره من العقلاء التجرّد بالمعنى المشهور ـ أعني : عدم كون الشيء جسما ولا جسمانيا ـ أيضا دليلا على العلم ، وهو لا ينحصر في الواجب ـ تعالى ـ.
ومنها : انّ السرّ هو انّ بهذا الدليل ـ أي : الّذي تمسّك فيه بالتجرّد الحقيقي ـ يظهر كونه ـ تعالى ـ عالما بجميع ما سواه من غير احتياج إلى التمسّك بما ذكر / ١٢٩ MB / من (١) انّه عالم بذاته فيكون عالما بافعاله أيضا. وذلك لانّه إذا كان الواجب ـ تعالى ـ محض الوجود الحقيقي غير محتاج الى ارتباط بالغير بل جميع ما سواه موجود بالارتباط به والانتساب إليه ـ على ما هو ذوق أهل التألّه ـ فيكون ـ تعالى ـ عالما بجميع الأشياء البتة ، إذ العلم ليس إلاّ ارتباط خاصّ بين العالم والمعلوم يوجب ظهوره وانكشافه عنده. فاذا كان وجود جميع الأشياء بالارتباط به ـ سبحانه ـ فيكون جميعها ظاهرا منكشفا لديه ؛ وما ذلك الاّ العلم.
ومنها : انّ السرّ هو ما اشتهر بين أهل التألّه والذوق من انّه ليس شيء من الممكنات متصفا بالوجود اتصافا حقيقيا ، بل الممكنات لها ارتباط بالموجود الحقيقي واطلاق الوجود على الممكن من قبيل اطلاق متموّل على زيد واطلاق الشمس على الماء. وليس المتصف بالوجود حقيقة إلاّ الله ـ تعالى ـ ، وما عداه مرتبط به. وقد صرّح السيد الداماد بأنّ السرّ المأمور بالتأمّل فيه هو هذا الوجه حيث قال : « السرّ هو انّ ما سوى الله ـ تعالى ـ من الممكنات ليس لها وجود ، بل هي منسوبة الى حضرة الوجود ، لانّ الوجود ليس بعارض لها ولا قائما بها ولا بمهيتها ، بل مصداق حمل الموجود عليها مجرّد انتسابها الى الوجود كما أنّ الحدّاد هو من ينسب الى الحديد وذلك هو مصداق حمل الحداد عليه لا من يقوم به الحديد » ؛ انتهى.
وغير خفيّ انّ الفرق بين هذا الوجه وبين سابقه : انّ بناء السابق على كون الممكنات بأسرها مرتبطة بالأوّل ـ تعالى ـ ارتباطا خاصّا وان كان لها وجود حقيقة وكان صدق الوجود عليها صدقا حقيقيا ، لكن هذا الارتباط منشأ لتحقّق علمه ـ تعالى ـ بها ، لانّ
__________________
(١) الاصل : ـ من.